طائرة الكوكايين... مؤامرة تحلّق على ارتفاع 30 ألف قدم
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

هل يمكن لطيارَيْن سياحيين، عسكريين سابقاً، أن يتورّطا في نقل نحو 700 كغم من الكوكايين من الدومينيكان إلى فرنسا؟ هذا السؤال ما زال محطّ جدل في فرنسا، بعد بث السلسلة الوثائقية "طائرة الكوكايين: مهرّبون في الجو" (Cocaine Air: Smugglers at 30,000 Ft.) على منصة نتفليكس أخيراً. الحكاية المعقدة والمتشابكة، تحوي كل عناصر الإثارة: المشاهير، واليمين المتطرف الفرنسي، والمخدرات، والهروب بحراً، وغيرها من المفارقات، إلى حد ظهور الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الفيلم نفسه يسأل متعجباً: "هل أصبحنا مجانين؟ هل يمكن بعد 40 عاماً من الحياة العامة الظنّ أني مهرّب كوكايين؟".
ساركوزي ليس الأغرب في الحكاية التي تبدو للوهلة الأولى بسيطة: في عام 2013، في مطار بونتا كانا في الدومينيكان، أوقفت طائرة فرنسية، يقطنها أربعة فرنسيين؛ طياران، وراكبان (أحدهما مساعد طيار غير مسجل في الرحلة)، و700 كغم من الكوكايين موزّعة على 26 حقيبة سفر، لكن أنكر الفرنسيون الأربعة معرفتهم بوجودها أو ملكيتها.
القضية التي بدأت قصتها عام 2013 وامتدت حتى عام 2021، عقب إطلاق الأحكام على المتهمين. قسمت هذه القضية الرأي العام الفرنسي، بسبب التداخل القضائي بين فرنسا والدومينيكان بدايةً، وأيهما يملك حق إطلاق الأحكام. والسبب الثاني والأوضح، هو الجدل حول براءة أو ذنب المتهمين، إذ حكم بداية على الأربعة في الدومينيكيان لعشرين عاماً عام 2015، يقضونها في الجزيرة نفسها وليس في السجن. حينها، صرح الطيار باسكال فوريت قائلاً: "لقد شُوّهت سُمعتي. لست مهرب مخدرات، لست عضواً في المافيا الكورسيكيّة، أنا بريء، وأطلب من المحكمة الاعتراف بشرفي وحريتي وأن تعيدها لي كاملةً".
لاحقاً هرب الطياران نحو فرنسا، وبقي اثنان في الدومينيكان تحت الإقامة الجبرية. في فرنسا، أعيدت محاكمة الطيارَين عام 2019، وأُدينا بست سنوات سجن، لكن طُعن بالقرار وخرجا بريئين عام 2021. أما باقي المتورطين من العاملين في شركة تأجير الطائرات السياحيّة الخاصة، فكلّ نال عقوبة بحسب جرمه، ومساعدته في تهريب الكوكايين عبر الجمارك من دون أن يدري أحد.
ازداد عدد المتهمين حين انتقل التحقيق إلى فرنسا، وهكذا ظهر اسم نيكولا ساركوزي، كونه أحد الذين استخدموا الطائرة، وظهر اسم جان ماري لوبان، زعيم اليمين المتطرف، الذي أشرف أحد المقربين منه على عملية هروب الطيارَين الهوليوودية. لكن، على رغم التحقيقات، بقي السؤال معلقاً: لمن يعود الكوكايين؟ كيف لا يعلم أي أحد في الطائرة بوجوده؟ نحن أمام 700 كغم من المخدرات وينكر "كل" المتورطين معرفتهم بها.


القضية في الدومينيكان كانت محسومة، فحُكم بالسجن على المتورطين، لأنه ببساطة لا يمكن لأربعة أشخاص على متن الطائرة ألا يعلموا ما تحمله المركبة المُحلّقة بهم. لكن كلّ منهم قال: لا أعلم، أو: هذه ليست وظيفتي. وهذا بالضبط يكشف عن العقلية الفرنسية، التي تمسّ حتى في الدوائر الحكومية، وكأن لا أحد يمتلك حساً بالفضول أو الرغبة في المعرفة، خصوصاً أن 700 كغم لا بد أن تؤثر بوزن الطائرة مثلاً، فهل فعلاً لم يخطر على بال الطيارين السؤال عنها؟
ضمن المنطق التقليدي-البيروقراطي في فرنسا، كل يهتم بعمله ووظيفته فقط، وهنا تظهر حجج بعض المتهمين، كالقول: "ليست مهمة الطيار أن يشغل وظيفة الجمارك". لكن أليس كابتن الطيارة هو "السيد" عليها؟ ألم تلفت انتباهه كميات الحقائب التي لا تعود لأحد على الطائرة؟ هذه الحجج لم تقنع المدعي العام في الدومينيكان، ونطق القاضي بالحكم، علماً أن الحكاية غريبة وقد يبدو الحكم متسرّعاً، لكن لا يمكن إنكار هول المصادفة، وسذاجة إنكارها، على الرغم من الماضي المشرّف للطيارَين، فهما، والراكبان الآخران، لم يمسّا المخدرات سابقاً، ولا توجد أي تهمة ضدهم في سجلاتهم.
البرنامج الصباحي على تلفزيون فرنسا، استقبل أخيراً مخرجي المسلسل، ليصفا الحكاية بـ"الكوميديا" بسبب المفارقات الهائلة التي اختبراها. مفارقات حيرت الصحافيين الذين عملوا على القضية حين كُشف عنها وتابعوها طوال السنين، وكلهم يتشاركون الشعور بالصدمة والاستغراب.
هناك رواية أخرى، اعترف بها فرانك كولين الذي خطط للعملية وتلاعب بـ"الجميع" لتحقيقها، وقد استُقبل في بودكاست عام 2023 يشرح فيه العمليّة وكيف نفذها، وأُطلق سراحه تحت شروط عدم السفر من فرنسا عام 2022. كثير من الأسئلة يمكن طرحها، كتلك التي طرحها الصحافي فيليب لابرو مثلاً مموّل عملية تهريب الطيارين، وإن كان الهدف هو تهريب الفرنسيين، لم تُرك اثنان في السجن في الدومينيكان؟
تُطرح الأسئلة السابقة لأن عملية التهريب وصفت علناً بأنها أُنجزت بفعل "أصدقاء قدامى في الجيش"، ربما كان الأمر بدافع الزمالة أو الالتزام العسكري، لكن لِمَ ساعدهم النائب المحسوب على اليمين المتطرف أمريك شوبرا؟ عملية الهروب هذه وصفها القاضي فيليب بيلغر في مدونة نشرها على حسابه الشخصي بأنها "بعيدة كل البعد عن أن تكون عملية وطنية مشرفة، بل هي إلى حد كبير، عملية هرب من العدالة الدومينيكانيّة". في حين وصفها محامي الطيارين بـ"مبادرات فرديّة، وليس عمل فريق خاص دفعت له الدولة الفرنسيّة"، الأمر الذي أكدته وزارة الخارجية حينها.
عادت القصة اليوم في فرنسا إلى الصحف ونشرات الأخبار، لكن الزمن تغير، والأسماء الشهيرة التي ظهرت في القضية تغيرت أحوالها. نيكولا ساركوزي مدان ومحكوم في قضية "فساد واستغلال نفوذ"، أما اليمين المتطرف الفرنسي فتعرض لضربة قوية بعد إدانة مارين لوبان، ابنة جان مارين، بتهمة اختلاس أموال عامة، والطياران اللذان هربا إلى فرنسا، يتابعان حياتهما بصمت، من دون تصريحات للصحافة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية