مهرجان أثينا يودع مسرحه التاريخي: "هيروديون" يغلق أبوابه للصيانة
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

يشكّل "أوديون هيرودس أتيكوس" -المسرح الروماني العريق الواقع عند سفح الأكروبوليس في أثينا- محطة لا غنى عنها لزوار المدينة ومعلَماً يحظى بهالة من التقدير لدى الفنانين، الذين يرونه منبراً أسطورياً شهد أعظم العروض في تاريخ الفن. أما بالنسبة إلى سكان العاصمة اليونانية، فهو القلب النابض لموسمهم الثقافي الصيفي.

وقد افتتح "أوديون هيرودس أتيكوس" أخيراً الموسم السبعين من مهرجان أثينا-إبيداوروس السنوي، الذي يُعد تقليداً راسخاً وعزيزاً على كثير من اليونانيين. غير أن دورة هذا العام ستكون الأخيرة قبل أن يُغلق هذا المسرح، الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 18 قرناً، من أجل تنفيذ أعمال صيانة وترميم من المتوقع أن تستمر ما لا يقل عن ثلاث سنوات.

ورغم أن عروض المسرح والرقص تزيّن خشبته بانتظام، تبقى الموسيقى جوهره الحقيقي. فقد وقف على هذه الخشبة فنانون عالميون مرموقون مثل لوتشيانو بافاروتي، فرانك سيناترا، فرقة كولدبلاي، إلى جانب أسطورة الأوبرا اليونانية ماريا كالاس. ويُنظر إلى إغلاقه المرتقب بوصفه خسارة كبيرة للجمهور الذي لطالما اعتاد متابعة عروض من الطراز الرفيع تحت السماء المفتوحة، في واحد من أكثر المسارح المكشوفة شهرةً وجاذبية على مستوى العالم.

تقول كاترينا إيفانغيلاطوس، المديرة الفنية لمهرجان أثينا-إبيداوروس منذ عام 2019، في وصفها للمسرح باستخدام اسمه المتداول محلياً "هيروديّون": "عندما يفكر الناس بالمشهد الثقافي في أثينا، فإن أول ما يتبادر إلى أذهانهم، المهرجان و(هيروديّون)... لقد أصبح مرادفاً للمهرجان، بل هو قلبه النابض".

وافتتحت الأوبرا الوطنية اليونانية الموسم الحالي للمهرجان بأوبرا "توراندوت" للمؤلف الإيطالي جاكومو بوتشيني، ما استدعى إقامة منشآت مؤقتة خلف الجدران المقوّسة للمسرح الروماني لتوفير غرف إضافية للفنانين، بعد أن باتت المرافق الدائمة تحت الأرض غير كافية.

ولأن الإنتاج تطلّب مساحة أكبر لاستيعاب حجم العرض، أنشأ طاقم العمل منصة خشبية مؤقتة تشبه الشرفة، امتدّت جزئياً فوق حفرة الأوركسترا، وذلك لتلبية احتياجات الديكور وتوزيع المؤدين على الخشبة.

أتاحت هذه التعديلات تقديم مشهد معقّد، من أبرز مشاهده المشهد الرمزي الذي يظهر فيه الإمبراطور، والد توراندوت الطاعن في السن، محمولًا على عرشه الشاهق، وهو يشهد محاولات الخطّاب لحلّ ألغاز ابنته، وهي محاولات محفوفة بخطر الإعدام في حال الفشل. ويتطلب هذا المشهد وجود عدد كبير من المؤدين على المسرح في آنٍ واحد، مع تنسيق دقيق في الأداء.

كأنك تدخل معبداً

يصف يورغوس كومينداكيس، المدير الفني للأوبرا الوطنية اليونانية، مسرح هيرودس أتيكوس بأنه "مكان منهك ومجهَد"، لكنه مع ذلك لا يزال يلقى إجلالًا واسعاً من قِبَل الفنانين والجمهور على السواء. ويضيف: "الناس الواعون، المثقفون، المتعلمون، الذين يدركون ما هو هذا المكان، وما يمثله تاريخياً، وأهمية المهرجان، ودور الأوبرا الوطنية، يكنّون له احتراماً عميقاً، ويُقبلون عليه بشيء من الرهبة. إنه أشبه بمعبد... معبد للفن، وله تأثير فعلي. ألاحظ ذلك في سلوك المغنين وأعضاء الأوركسترا، فعندما يأتون إلى هنا، يكونون راغبين بصدق في تقديم أفضل ما لديهم".

وكانت أعمال الترميم السابقة للمسرح قد شملت تنظيف الأسطح، وملء الشقوق، وتركيب مقاعد جديدة، أما هذه المرة، فإن نطاق العمل سيعتمد على نتائج الدراسات التقنية الجارية حاليًا.

وأعلنت وزيرة الثقافة اليونانية لينا ميندوني أن موعد إغلاق المسرح بنهاية الصيف مؤكّد، لكن موعد إعادة افتتاحه لا يزال غير محدد. وأوضحت في مقابلة إذاعية أجرتها الشهر الماضي مع محطة سكاي اليونانية: "سيعتمد الأمر على المشكلات التي ستكشفها الدراسات، لكن ما هو مؤكد أننا بحاجة إلى ثلاث سنوات على الأقل".

استراحة طويلة

يمثل إغلاق "أوديون هيرودس أتيكوس" تحدياً كبيراً لمهرجان أثينا-إبيداوروس، الذي سيضطر خلال السنوات المقبلة إلى البحث عن مواقع بديلة لاحتضان فعالياته. واستذكرت إيفانغيلاطوس مسيرة المهرجان التي تمتد إلى سبعين عاماً، لافتة إلى أنه انطلق في سنوات ما بعد الحرب، حين كانت اليونان تواجه انقسامات سياسية وأزمات اقتصادية عميقة. وقالت: "إنه معجزة من حيث القدرة على الاستمرار، وإرث فني باقٍ".

وفي كواليس ليلة الافتتاح، كان النشاط على أشدّه: تسريحات شعر تُعدّل، وأقنعة تُضبط، وأزياء تُرتّب بعناية قبل انطلاق العرض.

وعبّرت مغنية السوبرانو ليز ليندستروم، التي أدّت دور توراندوت، عن انبهارها بالمكان، قائلةً: "الأجواء هنا ساحرة بكل معنى الكلمة. أن تقف على هذه الخشبة وتنظر إلى الأعلى لتشاهد الأكروبوليس، أمر مذهل فعلًا. ثم تلتفت لترى الجمهور الغفير المنغمس بكل كيانه في العرض... إنه شيء مؤثر للغاية، وساحر بحق".

كل الأنظار كانت موجّهة نحو ليندستروم، وهي تعتلي المسرح تحت النجوم، في افتتاح موسم يُتوّج مسيرة طويلة... قبل أن يسدل الستار على استراحة قد تطول.

(أسوشييتد برس، العربي الجديد)

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية