
مع إطالة أمد العدوان الإسرائيلي على إيران ودخوله أسبوعه الثاني، لا يزال الموقف الرسمي الروسي يتسم بالضبابية من جهة إحجام موسكو عن تقديم أي دعم يذكر لشريكتها طهران، باستثناء طرح مبادرات وساطة والتنديد بالهجوم الإسرائيلي. واللافت أنه منذ الأيام الأولى لبدء الهجوم الإسرائيلي على إيران، امتنعت موسكو عن تقديم وعود بأي دعم عسكري لطهران في التصدي للهجوم الإسرائيلي، مكتفية بالتنديد بالعدوان وحث الطرفين على التهدئة، رغم التوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران أثناء زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إلى موسكو مطلع العام الحالي. على مستوى التصريحات الرسمية، بدت واضحة مساعي روسيا للنأي بالنفس عن النزاع الإسرائيلي الإيراني، إذ لمح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مسؤولية إيران عن عدم إبدائها اهتماماً بالعمل المشترك مع روسيا في مجال الدفاع الجوي. وفي معرض إجابته عن سؤال حول ما إذا كانت روسيا مستعدة لتزويد إيران بأسلحة جديدة حتى تحمي نفسها من الهجمات الإسرائيلية، قال بوتين خلال لقائه مع وسائل إعلام عالمية في إطار منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي الذي احتضنته العاصمة الشمالية الروسية بين 18 و20 يونيو/حزيران الحالي: "ذات يوم عرضنا على أصدقائنا الإيرانيين العمل في مجال منظومة الدفاع الجوي. لم يبدِ الشركاء اهتماماً كبيراً حينها، وها هو".
أفكار بوتين بشأن إيران وإسرائيل
وعند تعليقه على الإمدادات السابقة لنظم صواريخ إس-300 وإس-200 المطورة الروسية إلى إيران، أضاف بوتين أن "مقترحنا تلخّص في أمر آخر، وهو إقامة منظومات لا إمدادات بعينها" أجريت "في وقتها" و"لا علاقة لها بأزمة اليوم". ولفت إلى أن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الموقّعة بين موسكو وطهران "لا تتضمن مواد ذات صلة بالمجال الدفاعي". مع العلم أن الاتفاقية تنص في البند الثالث من مادتها الثالثة على أنه في حال تعرض أي من طرفيها لعدوان، فعلى الطرف الثاني "ألا يقدم للمعتدي أي عون عسكري أو غيره من العون من شأنه الإسهام في مواصلة العدوان"، من دون وضع أي التزامات على عاتق الطرفين. وأكد بوتين أنه اقترح مجرد "أفكار" للتسوية، في مسعى إلى التخفيف من أهمية وساطته في المواجهة العسكرية القائمة بين إسرائيل وإيران. وقال "لا نسعى مطلقاً للتوسط، نحن نقترح أفكاراً فقط". وأضاف "إذا كانت هذه الأفكار جذابة للبلدين، فسنكون سعداء"، مؤكداً أن روسيا لديها "اتصالات" بهذا الشأن مع إسرائيل و"مع أصدقائنا الإيرانيين".
أندريه سيرينكو: روسيا لن تقدم دعماً عسكرياً لإيران
من جهتها، قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا خلال مؤتمر صحافي في مدينة سان بطرسبرغ، الخميس الماضي: "نود أن نحذّر واشنطن خصوصاً من التدخل عسكرياً في الوضع، إذ سيكون خطوة خطرة للغاية ذات عواقب سلبية لا يمكن توقعها". وتعليقاً على هذا الوضع، رأى مدير جمعية المحللين السياسيين الروس، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، أندريه سيرينكو، في حديث لـ"العربي الجديد" أن روسيا تعطي في المرحلة الراهنة الأولوية لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وتخفيف العقوبات الأميركية المفروضة عليها، مما يفرض الالتزام بالحياد الإيجابي والامتناع عن تقديم أي دعم يذكر لإيران. وأضاف: "يعلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن ثمة علاقة شراكة براغماتية ومتبادلة المنفعة تربط روسيا مع إيران، ومن المهم بالنسبة إلى ترامب أن تلتزم روسيا الحياد، مما سيزيد من فرص إسرائيل التي لن تقف موسكو في صفها بأي حال من الأحوال، خصوصاً أن طهران قدمت دعماً لموسكو بعد بدء النزاع الروسي الأوكراني وزودتها بمعدات عسكرية، بما فيها مسيرات شاهد".
مع ذلك، أقرّ سيرينكو أن روسيا لن تقدم دعماً عسكرياً لإيران، مضيفاً: "تكتفي روسيا بطرح مبادرات الوساطة وحث الطرفين على السلام ودعم إيران على مستوى الخطاب السياسي والتنديد بالعدوان الإسرائيلي. الأولوية لروسيا الآن هي عدم إفشال عملية إعادة إطلاق العلاقات مع الولايات المتحدة والرفع التدريجي للعقوبات المفروضة عليها، بينما سيزيد الانضمام العلني إلى طرف إيران في النزاع من صعوبة هذه المهمة حتماً".
واعتبر أن إطالة أمد النزاع لا تصب في مصلحة أي طرف، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، قائلاً: "في حال صمدت المنظومة السياسية الإيرانية في الأيام المقبلة، فسيكتسب النزاع طابعاً طويل الأجل وسيشكل مفاجأة غير سارة على الأميركيين أنفسهم. لم يفِ ترامب بوعوده بإنهاء النزاع الروسي الأوكراني، بل بات يواجه نزاعاً جديداً بضلوع حليفته إسرائيل بحرب جديدة، خصوصاً أن سلسلة الهجمات الإسرائيلية الشرسة لا تترك أمام طهران من خيار، سوى أن تحذو حذو كوريا الشمالية وتنتج قنبلة نووية طالما يتخاذل المجتمع الدولي عن تقديم أي ضمانات للنخبة الإيرانية".
ووضع بعض الخبراء الروس أيضاً على عاتق إيران المسؤولية عما تتعرض له، إذ رأى مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيا، رسلان بوخوف، أن "الأيام الأولى من الحرب الإيرانية الإسرائيلية كشفت الأزمة العميقة للسياسة الدفاعية والبناء الدفاعي في إيران"، مرجعاً هذه الأزمة إلى "إخضاع السياستين الخارجية والدفاعية لأهداف أيديوقراطية (أي حكم دولة وفقاَ لمبادئ أيديولوجية) لا ولن تملك إيران مواردَ اقتصادية وعسكرية وتكنولوجية كافية لتحقيقها أبداً". وفي مقال بعنوان "محاكاة العظمة. في أسباب أزمة السياسة الدفاعية الإيرانية" نشرته صحيفة كوميرسانت، اعتبر بوخوف أن الحرس الثوري الإيراني تحوّل إلى منظمة "أشبه بعصابات" معنية بالتوسيع المستمر لنفوذيها السياسي والاقتصادي واستثمار أكبر قدر ممكن من موارد الدولة، مما أسفر عن "خصخصة" السياستين الخارجية والدفاعية من قبل الحرس وإخضاع الدولة الإيرانية في حد ذاتها للمصالح الضيقة لنخبة الحرس الثوري.
مكسيم كاتز: لو كان بايدن رئيساً لانتقدت موسكو الحرب الإسرائيلية على إيران
انتقاد معارض روسي لموقف موسكو
على صعيد مواقع التواصل الاجتماعي، جزم المدون الروسي المعارض الهارب إلى إسرائيل، مكسيم كاتز، أنه في حال كانت أي إدارة أخرى تتولى زمام الأمور في البيت الأبيض، لكان الموقف الرسمي الروسي من الهجمات الإسرائيلية على إيران سيتلخص في أن "الدمية العسكرية إسرائيل هاجمت بتحريض من محركها الأميركي نظاماً صديقاً لروسيا مع إشهار هدف إسقاط السلطة الحاكمة". وفي مقطع فيديو بعنوان: "ماذا تقول روسيا عن الحرب بين إسرائيل وإيران؟" حظي بأكثر من 700 ألف مشاهدة على موقع يوتيوب، لفت كاتز الذي تصنفه وزارة العدل الروسية "عميلاً للخارج" والصادر بحقه حكم غيابي بالسجن لمدة ثماني سنوات، إلى أن النظام الإيراني حليف "رسمي" لروسيا، إذ كانت الحرب الروسية الأوكرانية ستبدو مختلفة من دون المسيرات الإيرانية.
وخلص كاتز إلى أن عزوف روسيا عن توجيه انتقادات إلى واشنطن بسبب دعمها لإسرائيل يرجع إلى أن هذا الدعم لا تقدمه هذه المرة "الزمرة الديمقراطية الشنيعة بقيادة (الرئيس الأميركي السابق جو) بايدن المصاب بالخرف"، وإنما "أكبر وأوفى صديق" دونالد ترامب، حتى إذا أصبح هذا الصديق "يقود حملة صليبية ضد النظام الإيراني عارضاً عليه الاستسلام غير المشروط أمام إسرائيل". يشار إلى أن بوتين أجرى فور بدء التصعيد الإسرائيلي الإيراني سلسلة من الاتصالات مع الأطراف المعنية الإقليمية والدولية المعنية، بما في ذلك اتصال مع ترامب، في 14 يونيو الحالي، وصفه معاون الرئيس الروسي للشؤون الخارجية، يوري أوشاكوف، بأنه كان "صريحاً ومفيداً"، وتركز على "التصعيد الخطر" للوضع في الشرق الأوسط.
