دول الخليج والحرب الجارية
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

ليست هذه المرّة الأولى التي تصبح فيها دول مجلس التعاون الخليجي في مهبّ العاصفة، بسبب الحروب قرب أراضيها ومياهها الإقليمية، فقد واجهت ذلك في حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران (1980- 1988)، وواجهت التحدّي نفسه في حرب الخليج الثانية (أغسطس/ آب 1990- فبراير/ شباط 1991)، حين اجتاحت القوات العراقية أراضي الكويت واحتلّتها، قبل أن يشنّ تحالف دولي قادته الولايات المتحدة حرباً لإخراجها منها، وبعد أكثر من عقد بقليل (في 2003) جاء الغزو الأميركي للعراق الذي انتهى بسقوط سريع لنظام صدّام حسين، ودخول العراق في مرحلة من عدم الاستقرار دامت طويلاً، ولا يزال العراق يعاني من آثارها.
على خطورة كلّ ما جرى سابقاً من حروبٍ وغزوات، يمكن القول إنّ الحرب التي بدأت بالعدوان الإسرائيلي على إيران، هي الأشدّ خطورة، وليس واضحاً بعد كيف ستتطوّر مجرياتها، ومتى ستنتهي وكيف، فرغم الخسائر الفادحة التي أحدثتها الضربات الإسرائيلية في الجانب الإيراني، خصوصاً في اليوم الأول من الحرب، تواجه الدولة المعتدية، إسرائيل، ضربات موجعة غير مسبوقة في تاريخها، ففضلاً عمّا توقعه الصواريخ الباليستية الإيرانية من خسائر كبيرة في منشآت ومرافق مهمة تتكتم إسرائيل على حجمها ومداها، فإنّها أحدثت حالاً من الرعب والخوف في صفوف سكّانها الذين لم يعتادوا هذا الكمّ الهائل من الضربات التي تبقيهم متكدّسين في الملاجئ ساعاتٍ طويلة، مع تكرار انطلاق صفّارات الإنذار مع كلّ رشقة صواريخ عابرة للمسافة من إيران إلى إسرائيل.
تجد دولنا الخليجية نفسها اليوم أمام تحدّ خطير لا يمكن مقارنته، من ناحية الحجم والنتائج، بما واجهته من تحديّات سابقة، فالمواقع المستهدفة من إسرائيل في الداخل الإيراني تشمل مواقع نووية سينجم عن تفجيرها تداعيات في منتهى الخطورة على سلامة شعوب المنطقة، وسينجم عن ذلك كوارث بيئية مرعبة ستستمرّ طويلاً، وتزداد هذه المخاطر مع دخول الحرب أسبوعها الثاني وسط حديث عن أنها ستستمرّ فترةً طويلة، مع ضعف المؤشّرات إلى قرب الوصول إلى وقف لإطلاق النار، قد يفضي إلى العودة إلى مباحثات مع الجانب الإيراني.
نعلم أنّ العلاقات بين إيران ودول في المنطقة شابتها منغّصاتٌ كثيرة، على خلفية الاستقطاب الإقليمي الذي طبع المشهد السياسي في المنطقة عامّة، وأن هناك ملفّات ما زالت معلّقة في العلاقات الخليجية - الإيرانية، ولكن يحسب للسعودية مبادرتها المبكّرة في تجاوز مظاهر التوتر في العلاقة مع إيران عبر وساطة صينية، أفضت إلى عودة العلاقة بين البلدَين إلى المسار الطبيعي، وفي خطى السعودية سارت بلدان خليجية أخرى، ونمّ ذلك عن رؤيةٍ مستقبليةٍ حصيفةٍ توقّعاً لأيّ سيناريو خطر، كالسيناريو الجاري اليوم، وهو أمر أشار إليه مدير المشروع الإقليمي للسلام والأمن في الشرق الأوسط التابع لمؤسّسة فريدريش إيبرت الألمانية، ماركوس شنايدر، حين قال ما مفاده بأنّ دول الخليج تدرك، ومنذ وقت مبكّر، التبعات الخطيرة لأيّ مواجهة إسرائيلية إيرانية على أمنها، لأنها (دول الخليج)، غير محميّة مثل إسرائيل بنظام دفاعي فعّال، وسعت دائماً عبر واشنطن، إلى منع إسرائيل من التصعيد.
ولذا لم يكن غريباً أنّه بعد ساعات قليلة من الهجوم الإسرائيلي على أهداف عديدة في إيران، دانت دول المنطقة كلّها وبشدّة، في بيانات منفردة صادرة عن وزارات الخارجية فيها، الاعتداءات الإسرائيلية السافرة على إيران، بل جرى تداول قول إحدى الدول الخليجية إنها حذّرت إيران من الضربة الإسرائيلية الوشيكة، ربّما رغبة منها للفت أنظار الإيرانيين إلى ضرورة الاستعداد لذلك، لأن دول الخليج على يقين بتبعاته عليها هي أيضاً، خاصّة أنّ عدّة قواعد أميركية موجودة في أراضيها، يمكن أن تكون هدفاً لضربات إيرانية في حال أصبحت واشنطن شريكاً أساسياً في الحرب على إيران.
تمادي العدوان الإسرائيلي على إيران، إن لم يُكبح، وتكرار الحديث عن سيناريو إسقاط النظام في طهران سيدفع الأمور إلى مسارات أخطر فأخطر، فسيناريو مثل هذا ليس في مصلحة حتى أشدّ خصوم إيران، فالتجربة في عدّة بلدان علّمتنا أنّ إسقاط أيّ نظام بتدخّل خارجي، تنجم عنه حال من الفوضى والتفكّك، ويضاعف من شدّة المخاطر التي لا سبيلَ فعّالاً لمواجهتها مع سقوط الدولة المركزية، وانهيار مؤسّساتها وأذرعها العسكرية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية