نظرية نتنياهو والحلم المستحيل
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

تفضح خطابات بنيامين نتنياهو وتصريحاته، منذ هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023)، نظريةً جديدةً يتبنّاها لمفهوم الأمن الإسرائيلي، أطّرت الأهداف التي وضعها على صعيد اليوم التالي في غزّة، وفي المنطقة بأسرها، وصولاً إلى الحرب الراهنة مع إيران، بما يعيد تعريف هُويَّة إسرائيل السياسية، أيديولوجياً واستراتيجياً وإقليمياً. الثيمة الأساسية لهذه النظرية (داخلياً) هي دولة يهودية يمينية نقيّة في "أكبر مساحة من الأرض وأقلّ عدداً من السكّان الفلسطينيين"؛ إلغاء حلّ الدولتَين وتفكيك أوسلو- السلطة الفلسطينية؛ الانتقال (استراتيجياً) من حالة الردع الدفاعي إلى الهجومي، وتوسيع مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي ليكون ذا طابع إقليمي يُنهي مصادر التهديد حول إسرائيل بصورة جذرية. الهدف النهائي لهذه التحوّلات هو أن تصبح إسرائيل القوة الكُبرى إقليمياً، ويضمن لها سلاماً راسخاً في الإقليم، عبر تغييرات تعبر من التفوق العسكري - التكنولوجي إلى "التغيير الثقافي" في البيئة العربية المحيطة، شبيهه بما حدث في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، أي بعبارةٍ أخرى: الاستسلام والتخلّي عن أيّ طموح لزعزعة هذه القوة الكبيرة.
وبالرغم من التعثّر في مراحل معينة من المشروع الجديد، فإنّ الضعف الاستراتيجي العسكري العربي مكّنه من تدمير غزّة وإبادتها، وشجّعه انهيار حزب الله أمنياً وعسكرياً، ثمّ انهيار نظام بشّار الأسد السريع، على الظنّ أنّه قادر على تحقيق هذا الحلم، وصولاً إلى ضرب إيران ومحاولة القضاء عسكرياً على السلاح النووي، بل إسقاط النظام السياسي هناك، وإخراجه من المعادلة الإقليمية والأمنية. نجاح نتنياهو في تحقيق العديد من تلك الأهداف جعله يعتقد بصوابية نظريته، ووضَع عنواناً بارزاً لها، ما فتئ يكرّره، وهو "تغيير وجه الشرق الأوسط"، وهو باختصار: منطقة تحت الهيمنة الإسرائيلية بلا قوة منازعة، وفي محيط يعترف بالتفوق الإسرائيلي، ليس عسكرياً فقط، بل ثقافياً وسيكولوجياً، ما سيعبّد الطريق بالكلّية إلى التطبيع الكامل مع إسرائيل وتفكيك القضية الفلسطينية، وتحويل الفلسطينيين من مشروع نضالي في مواجهة الاحتلال والاستعمار إلى مجاميع من البشر والتجمّعات التي لا تحمل أهدافاً سياسية، بل جلّ همها "الحياة اليومية".
مشكلة نتيناهو أنّ هذه النظرية بنيت على "أخطاء بنيوية" في قراءة المنطقة العربية وتاريخها وثقافتها، فضلاً عن أنّها تقفز بصورة مختزلة عن حجم القوات في قدرة إسرائيل وإمكاناتها، وفي موازين القوى في المنطقة بصورة عامة، فوضع أهدافاً كبيرة للحروب التي قام بها في غزّة وفي إيران، وحتى في سلوكه مع لبنان وحزب الله، وهي أهدافٌ مشكوكٌ فيها بصورة كبيرة، ودلالة ذلك عدم قدرته، حتى الآن، على إنهاء الحرب في غزّة، وعدم معرفة أين يمكن أن "يخرج" من الحرب مع إيران بصورة انتصار عسكري كامل.
قاس نتنياهو مدى نجاح نظريته إلى سقوط نظام بشّار الأسد والاختراقات الأمنية - العسكرية لحزب الله، وتدمير جزء كبير من قيادات حركة حماس، واستنتج من ذلك إمكانية هزيمة إيران أو تقويض نظامها، وهذا خطأ فادح وكبير، إذ يخلط بين فاعلين مختلفين تماماً عن بعضهم، ولكلّ حالة محدّداتها الاستراتيجية والاجتماعية والسياسية المختلفة عن الأخرى، فبالرغم من وجود مشكلات كبيرة داخلية في إيران، ومن الاختلال في موازين القوى الدولية (وقوف أميركا خلف إسرائيل)، إلاّ أنّ "الاستخفاف" الكبير بإيران ومقارنتها بنظام الأسد غير صحيحين البتّة، فمع ذلك كلّه، لا يزال في إيران نظام أيديولوجي وقومي متمسّك بإرث تاريخي عريق، ولديه قاعدة اجتماعية - دينية صلبة، والبعد الطائفي (90% من الإيرانيين شيعة) لصالحه، فضلاً عن حجم البلاد جغرافياً وديمغرافياً الذي يساعد في تحمّل كُلَفاً كبيرة مقارنةً بقدرة إسرائيل، بخاصّة إذا استمرّت الحرب فترةً أطول، وتواصلت الصواريخ الإيرانية في السقوط على إسرائيل.
من زاويةٍ أخرى، وهي الأكثر أهمية، أنّه (نتنياهو) خلط بين المدى القصير والمديَين المتوسّط والبعيد، فلو افترضنا سيناريو أنّ النظام الإيراني قُوِّض غداً، لأسباب مختلفة وعديدة، فهل يعني ذلك "الأمن الإقليمي" لإسرائيل، وتغييراً ثقافياً بما ينسجم مع ما يحلم به نتنياهو، أم سيجذّر حالة عدم الاستقرار الإقليمي، وسيؤدّي إلى ولادة قوىً جديدة في مواجهة إسرائيل؟ فضلاً عن أنّ دول المنطقة (السعودية، تركيا، مصر، الأردن...) ستعمل على بناء "توازن قوى" جديد لحماية نفسها من إسرائيل، وفي أضعف الإيمان، سيؤدّي ذلك إلى صعود حالةٍ شعبيةٍ مسلّحة غاضبة، لكن التغيير الثقافي (الاستسلام) سيناريو مستحيل تحقيقه.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية