حرب إسرائيل وإيران تدفع مصر إلى إنفاق أكبر على الدفاع
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

تشهد منطقة الشرق الأوسط توتراً متصاعداً في أعقاب الضربات المتبادلة بشكل متصاعد بين إسرائيل وإيران، وهو ما انعكس سلباً على اقتصادات العديد من دول المنطقة، لا سيما مصر. فهذه الحرب، وإن لم تكن على الأراضي المصرية، تسببت في اضطرابات في أسواق النفط والطاقة العالمية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود والقمح والنقل، وكلها عناصر تستوردها مصر بكميات ضخمة. كما زادت المخاوف من تراجع حركة التجارة عبر قناة السويس بسبب التوترات الإقليمية واحتمال استهداف مسارات الملاحة في البحر الأحمر ومضيق هرمز، وهو ما يهدد واحداً من أبرز مصادر العملة الأجنبية لمصر.

إلى جانب التأثيرات المباشرة، تفرض الحرب تحديات إضافية على الاقتصاد المصري الذي يعاني أصلاً من أزمة سيولة ونقص في العملات الأجنبية وارتفاع في معدلات التضخم. فزيادة المخاطر الجيوسياسية في المنطقة قد تُربك خطط الاستثمارات الأجنبية والسياحة، وهما من القطاعات الحيوية للاقتصاد المصري. كما قد تضطر الحكومة إلى توجيه مزيد من الإنفاق نحو الأمن والدفاع، ما يضغط على الموازنة العامة ويؤخر تنفيذ إصلاحات اقتصادية ضرورية. في هذا السياق، تبدو مصر أمام مفترق طرق حرج يتطلب توازناً دقيقاً بين متطلبات الأمن القومي وحماية الاستقرار الاقتصادي.

وقال المحلل الجيوسياسي في مؤسسة "ميد-أور" الإيطالية للأبحاث إيمانويلى روسّي إن "الحرب بين إسرائيل وإيران سلطت الضوء على هشاشة الاقتصاد المصري، حيث أضيفت الخسائر التي مُنيت بها قطاعات محورية (الطاقة والنقل والسياحة) إلى ضغوط تضخمية ومالية موجودة بالفعل. وعلى ذلك، ربما تواجه مصر ركوداً ممتداً ممتزجاً بمعدلات تضخمية عالية، مع ارتدادات اجتماعية وسياسية محتملة، إذا لم تتمكن وبسرعة من تعبئة دعم خارجي ومن احتواء تداعيات الأزمة الإقليمية".

وأوضح روسّي، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أن عواقب الحرب الإسرائيلية-الإيرانية على الاقتصاد المصري تتضح في العديد من البنود، منها إيرادات قناة السويس، فهذا الصراع من شأنه تغذية أجواء عدم الاستقرار في المسارات البحرية الإقليمية، ودفع المزيد من السفن إلى تحاشي المرور بقناة السويس، ما سيتبعه تراجع مقلق للإيرادات في مرحلة تعتمد فيها البلاد بشكل قوي على هذا الدخل من أجل دعم الموازنة العامة وخدمة الدين.

كذلك، فإن الحرب تؤدي إلى استمرار قطع إمدادات الغاز من إسرائيل إلى مصر، وفق روسّي، مشيراً إلى أنه في أعقاب هجومها على إيران يوم 13 يونيو/حزيران الجاري، أغلقت إسرائيل حقلي الغاز البحريين "ليفياثان" و"كاريش". وأسفر هذا الإغلاق عن انقطاع في التيار الكهربائي وترشيد في الاستهلاك في مصر، ما يلحق ضرراً بالصناعة والأسر المصرية، علاوة على إضعاف الطاقة الإنتاجية الوطنية.

وأفادت تقارير بأن "مصانع أسمدة مصرية اضطُرت، مع توقف واردات الغاز الطبيعي من إسرائيل، إلى وقف إنتاجها". وأشار الخبير الجيوسياسي الإيطالي إلى أنه ربما تفاقم الإجراءات التعويضية المحتملة، مثل دعم الطاقة أو الرقابة على الأسعار، عجز الموازنة وتزيد الاعتماد على المساعدات الدولية. ومن بين تداعيات الحرب أيضاً زيادة تكلفة الطاقة والتضخم، فالارتفاع العام في الأسعار العالمية للنفط والغاز الطبيعي، ارتباطاً باحتمال تمدد الصراع حول مضيق هرمز، يفاقم التضخم في مصر، حيث ستكون لزيادة أسعار الطاقة انعكاسات مباشرة على التكاليف الصناعية وعلى الحياة اليومية، ومن ثم اشتداد أزمة القوة الشرائية في سياق خفض قيمة الجنيه المصري.

وتمتد الأضرار أيضاً إلى القطاع السياحي، إذ من شأن أجواء عدم الاستقرار وإغلاق المجال الجوي في دول الجوار تثبيط حركة التدفقات السياحية إلى مصر. والحقيقة أن السياحة، أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة، تئن أيضاً تحت ضغط ارتفاع تكاليف النقل والتأمين، مع وجود انعكاسات على فرص العمل والإيرادات الضريبية. كما أن محاولة مصر طرح نفسها لاعباً دبلوماسياً محايداً يستلزم وجود توازن بين الحلفاء الاقتصاديين والشركاء الإقليميين، وفق المحلل الجيوسياسي الإيطالي. وعلى الرغم من ذلك، فإن الضغط من أجل إدارة العواقب الإنسانية للصراع (مثل احتمالية فتح معبر رفح) قد يسفر عن مخاطر داخلية، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.

في هذا السياق، ذكر الكاتب الصحافي الإيطالي فابريتسيو كاسّينيللي، في تقرير نشرته صحيفة أفريكا إكسبرس الإلكترونية الإيطالية قبل أيام، تحت عنوان "إسرائيل توقف تصدير الغاز الطبيعي: طوارئ في مصر، ولكن الضرر يلحق بإيطاليا أيضاً"، أن إسرائيل أعلنت، في تصعيد جديد يُنذر بعواقب خطيرة على الأمن الطاقي الإقليمي والدولي، تعليق استخراج الغاز وتصديره إلى مصر بعد الضربة الإيرانية التي استهدفت منشآت الطاقة، بما في ذلك منشآت حيفا والمنشآت البحرية الواقعة قبالة السواحل، والتي تُعدّ هدفاً سهلاً للصواريخ والطائرات المسيّرة.

وأضاف كاسّينيللي أن القرار الإسرائيلي، الذي اتُّخذ لأسباب أمنية، يمثّل ضربة مباشرة لمصر، الدولة التي تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى مركز رئيسي لتجميع الغاز القادم من إسرائيل وإعادة تصديره إلى أوروبا عبر محطة دمياط، سواء من خلال خط أنابيب يمرّ قبالة سواحل غزة وسيناء أو عبر منشآت تسييل الغاز.

وفي عام 2022، وصفت المفوضية الأوروبية الاتفاق الثلاثي بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي بأنه "اتفاق تاريخي" في مجال الطاقة. وفي عام 2023، أعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تعزيز التعاون لزيادة إمدادات الغاز الإسرائيلي إلى إيطاليا بمشاركة شركة إيني الإيطالية. لكن هذا المشروع الطموح، الذي يهدف إلى تنويع مصادر الطاقة الأوروبية بعد الأزمة الأوكرانية، بات مهدداً بسبب التطورات الأخيرة.

وأشار كاسّينيللي إلى أن الضرر الأكبر لحق بمصر، التي تعتمد على الغاز الإسرائيلي لتلبية جانب كبير من احتياجاتها المتزايدة من الطاقة، في بلد تجاوز عدد سكانه 120 مليون نسمة ويشهد نمواً سكانياً واقتصادياً مطرداً. ومع وقف الإمدادات، أعلنت الحكومة المصرية حالة الطوارئ الوطنية، في ظل مخاوف من أن تؤدي أزمة الطاقة إلى اضطرابات اجتماعية واسعة في وقت يشهد فيه الشارع المصري حالة من الغليان.

ولفت الصحافي الإيطالي إلى أن القرار الإسرائيلي بإيقاف تصدير الغاز جاء بالتزامن مع موقف القاهرة المتشدد مؤخراً تجاه "المسيرة العالمية من أجل غزة"، التي ضمّت ناشطين من أكثر من 50 دولة، ما دفع مراقبين إلى الربط بين الموقف المصري وتداعيات الأزمة الطاقية. إلا أن إسرائيل، رغم ذلك، لم تتراجع عن قرارها، ما يُنذر باتساع رقعة النزاع لتشمل أطرافاً غير مباشرة في الصراع الإيراني-الإسرائيلي.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية