ما معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي تلوّح إيران بمغادرتها؟
عربي
منذ 8 ساعات
مشاركة

خلال السنوات الأخيرة، تكرّرت تهديدات إيرانية مستمرة بالخروج من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، المعروفة اختصاراً بـ"NPT". وقد تصاعدت هذه التهديدات بصورة ملحوظة خلال الأشهر الماضية، تزامناً مع تصاعد التوترات حول الملف النووي الإيراني. وخلال الشهر الأخير أيضاً، لوّح عدد من النواب والسياسيين الإيرانيين باستخدام ورقة الانسحاب من المعاهدة لمنع صدور قرار يعيد ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي، وذلك قبيل اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي عُقد مطلع الشهر الجاري.

كما تصاعدت الدعوات والمطالب داخل إيران، منذ بداية العدوان الإسرائيلي واستهداف المنشآت النووية الإيرانية، بضرورة الانسحاب من المعاهدة، واللجوء إلى إجراءات أكثر حدّة دفاعاً عن الحقوق النووية للبلاد.

في السياق، أعلن المتحدث باسم خارجية إيران، إسماعيل بقايي، اليوم الاثنين، أن البرلمان يُعدّ مشروع قانون للانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، مؤكّداً أن طهران لا تزال تعارض تطوير أسلحة الدمار الشامل. وفيما انتشرت أنباء عن صدور قرار برلماني بالخروج من المعاهدة، نفى رئيس مركز الاتصالات والإعلام والشؤون الثقافية في البرلمان الإيراني، إيمان شمسائي، شائعة صدور قرار من المجلس بالخروج من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وفق وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية.

وعقب الاجتماع الطارئ للوكالة الدولية للطاقة الذرية، اليوم الاثنين، بطلب إيران لبحث الاستهداف الإسرائيلي لمنشآتها، لوّح ممثل إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رضا نجفي، بالانسحاب من المعاهدة، قائلاً خلال الاجتماع الطارئ: "عندما لا تُراعى حقوق والتزامات أعضاء معاهدة عدم الانتشار بشكل متوازن، ويُسمح لبعض الأنظمة المعتدية التي ليست أعضاء في المعاهدة بالاعتداء والتهديد ضد الأعضاء الملتزمين دون رادع، فإن استمرار تنفيذ الالتزامات الطوعية يصبح بلا مبرر".

ما المعاهدة؟

معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية تُعدّ أهم اتفاقية دولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، وقد أُقرّت عام 1968 من قبل الدول الأعضاء. كانت أيرلندا هي الدولة التي اقترحت هذه المعاهدة خلال فترة الحرب الباردة، قبل أن توقّع عليها الولايات المتحدة الأميركية و56 دولة أخرى. وكانت إيران من أوائل الدول التي انضمت إلى المعاهدة، حيث التحقت بها عام 1970، وعدّلت برامجها النووية لتتوافق مع أحكامها. ويبلغ اليوم عدد الدول الأعضاء في هذه المعاهدة 186 دولة.

صنفان من الالتزامات

تنصّ هذه المعاهدة على صنفين من الالتزامات: الأول يشمل الدول المالكة للأسلحة النووية الأعضاء في المعاهدة (وهي الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين)، والصنف الثاني يشمل جميع الدول غير المالكة للأسلحة النووية. وسمحت المعاهدة للدول من الصنف الأول بالاحتفاظ بأسلحتها النووية، مع التعهد بالمقابل بالمساعدة في تطوير الاستخدام السلمي للطاقة النووية للدول الأخرى التي ترغب في الحصول عليها. أمّا الدول غير المالكة للسلاح النووي، فقد تعهّدت بعدم السعي لامتلاك هذا النوع من السلاح. وتتولى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تأسّست عام 1975 في فيينا، مهمة الإشراف على تنفيذ معاهدة "NPT" والبروتوكول الإضافي التابع لها، لتسهيل الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

هل ستنسحب إيران من المعاهدة؟

يحقّ للدول الأعضاء، وفقاً للمادة العاشرة من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، الانسحاب منها ومن البروتوكول الإضافي الملحق بها، وذلك عبر إرسال رسالة مسبقة قبل الانسحاب بثلاثة أشهر إلى جميع الدول الأطراف في المعاهدة وإلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.

وقال الخبير الإيراني والقيادي السابق في الحرس الثوري، حسين كنعاني مقدم، لـ"العربي الجديد"، إن إيران "ترى نفسها ملزمة بالالتزام بالقوانين الدولية ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ولا تعتزم الانسحاب منها"، مشيراً إلى أن طهران تسعى في الوقت الراهن إلى حشد دعم من الدول الأعضاء في المعاهدة لمواجهة عمليات قصف منشآتها النووية، انطلاقاً من كونها دولة عضوة في هذه المعاهدة. ولفت إلى أن إيران طلبت في هذا السياق عقد اجتماع طارئ للوكالة الدولية للطاقة الذرية لمناقشة استهداف منشآتها النووية الخاضعة لرقابة الوكالة.

وأضاف كنعاني مقدم أن بلاده تطالب الدول الأعضاء باتخاذ تدابير ضد استهداف منشآتها، من بينها إصدار قرار في مجلس الأمن يدين الدولة التي تنتهك المعاهدة وتقصف المنشآت النووية. وأوضح في الوقت ذاته أن تعاون إيران في إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية مرهون بمدى التزام الدول الأعضاء والوكالة الدولية للطاقة الذرية بتعهداتهم، مرجّحاً أن تقدِم طهران على خفض مستوى تعاونها مع الوكالة، وذلك باتخاذ خطوات مثل تقييد أنشطة التفتيش والتحقق التي يقوم بها مفتشو الوكالة، ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 90%. وبيّن أن الهدف من هذه الخطوات هو الضغط على مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية للقيام بمسؤولياتهما إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية.

خطوة اضطرارية

إلى ذلك، قال الخبير الإيراني، داود حشمتي، لـ"العربي الجديد"، إن استخدام التقنيات النووية، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم، يُعتبر حقاً لجميع الدول الأعضاء بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، قائلاً في الوقت ذاته إن "هذا الحق الطبيعي لم يُعترف به لجميع الدول عملياً، إذ تواجه إيران ضغوطاً أميركية مستمرة بتحريض إسرائيلي تحول دون تمكينها من ممارسة هذا الحق".

وأضاف أن هذه الضغوط دفعت بعض القوى السياسية في مؤسسات الحكم في إيران إلى المطالبة بالخروج من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، للحفاظ على حق إيران في التخصيب النووي. وأوضح حشمتي أن الرغبة الإيرانية في الانسحاب من المعاهدة ليست خياراً ذاتياً بمحض الإرادة أو مطلباً إيرانياً أساساً، بل هي انعكاس لضغوط الطرف الآخر، الذي يدفعها اضطراراً إلى وضع خيار الخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي على الطاولة باعتباره أحد البدائل المطروحة.

وأكّد الخبير الإيراني أن الطرف الإسرائيلي، من جهته، يستغلّ هذا الوضع للترويج بأن إيران تعمد إلى الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في إطار التوجه نحو إنتاج القنبلة النووية، قائلاً إن إيران لو كانت لديها النية للقيام بهذه الخطوة، لكانت قد أقدمت عليها مسبقاً أو حتى في السنوات الأخيرة، ومعرباً عن قناعته بأن إيران، تحت قيادة المرشد الأعلى علي خامنئي، "لن تتجه إلى إنتاج السلاح النووي، لكنها ترى نفسها مُضطرة لاستخدام ورقة التلويح بالانسحاب بهدف تحقيق التوازن وتقليل حجم الضغوط المفروضة عليها".

عواقب كبيرة

ورغم تحديد آلية في المعاهدة للدول الأعضاء للانسحاب منها، فإن هذه الخطوة ليست بلا عواقب وتبعات، لكونها معاهدة ذات طابع أمني ترتبط ارتباطاً مباشراً بأمن النظام الدولي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأميركية. ومن أبرز تبعات الانسحاب من المعاهدة، وفق حديث حشمتي لـ"العربي الجديد"، هو أن يؤدي ذلك إلى قيام الأطراف الأخرى بتفعيل آلية فض النزاع لإعادة فرض العقوبات الأممية وقرارات مجلس الأمن ضد إيران، فضلاً عن استغلال ذلك من الولايات المتحدة ذريعة لتوجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية. وأضاف حشمتي أنه، وفق هذا السيناريو، "قد تصبح تبعات الانسحاب من المعاهدة أعلى من البقاء ضمن إطارها".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية