
تصدرت مستجدات حرب إسرائيل وإيران وتداعياتها الإقليمية والدولية جيوسياسياً واقتصادياً، عناوين الصحافة الروسية الصادرة اليوم الاثنين، وسط إقرار بأن التوتر في الشرق الأوسط يشغل الغرب عن الملف الأوكراني ويدفع بأسعار النفط نحو الارتفاع، داعماً بذلك الخزانة الروسية من جانب، مع الاعتراف من جانب آخر بأنّ هذه المكاسب الظرفية تتخللها مخاطر استراتيجية ناجمة عن زعزعة استقرار الأوضاع في منطقة ذات أهمية استراتيجية على العالم بأسره.
عجز روسيا عن حماية حليفها
في مقال بعنوان "تحديات موسكو الشرق أوسطية"، نشر بصحيفة كوميرسانت، اعتبر المحلل السياسي، مدير عام المجلس الروسي للشؤون الدولية، أندريه كورتونوف، أنّ التصعيد في الشرق الأوسط يحقق لروسيا عدة مكاسب أولها ارتفاع الأسعار والطلب على موارد الطاقة الروسية لا سيما في حال وصل الأمر إلى إغلاق مضيق هرمز، وثانيها انشغال خصوم موسكو عن القضية الأوكرانية وتفاقم الخلافات حول أجندة الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، وثالثها الإمكانية النظرية لأداء دور الوساطة بين الأطراف المتناحرة لتعزيز نفوذ موسكو في المنطقة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد في سورية، نهاية العام الماضي.
ومع ذلك، أقرّ كورتونوف بأن التصعيد الجاري يحمل في طياته مخاطر هامة وأعباء محتملة على موسكو، وفي مقدمتها "عجز موسكو عن الحيلولة دون شن إسرائيل ضربة مكثفة على دولة وقّعت معها اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة قبل خمسة أشهر" في ظل عدم جاهزية موسكو للذهاب أبعد من التنديد بالأعمال الإسرائيلية إلى تقديم دعم عسكري لإيران. وكذلك حذر كاتب المقال من أنّ مخاطر موسكو طويلة الأجل قد تزداد في حال تبين أن الهدف الرئيسي لإسرائيل ليس وقف برنامج إيران النووي وتغيير سلوكها الإقليمي، وإنما تغيير النظام السياسي في البلاد.
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره الإيراني، مسعود بزشكيان، قد وقّعا أثناء زيارة الأخير إلى موسكو منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي ينص البند 3 من مادتها الثالثة على أنه في حال تعرّض أيٌّ من طرفيها لعدوان، فعلى الطرف الثاني "ألا يقدّم للمعتدي أي عون عسكري أو غيره من العون من شأنه الإسهام في مواصلة العدوان، بل يسهم في تسوية الخلافات الناشبة في إطار ميثاق الأمم المتحدة وغيره من أحكام القانون الدولي". وبذلك لا تتحمل روسيا أي التزامات أمنية تجاه إيران، على عكس كوريا الشمالية التي تقتضي الاتفاقية المماثلة الموقعة معها دفاعاً مشتركاً.
إسرائيل غير معنية بحرب طويلة وإسقاط النظام في إيران
من جانبه، رأى المحلل بمركز الدراسات المتوسطية التابع للمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، تيغران ميلويان، أن إطالة أمد النزاع لا تصب في مصلحة إسرائيل رغم الدعم العسكري والاستخباراتي الأميركي؛ نظراً للفارق في مساحتي البلدين وقدرة إيران على توزيع نشر القوات بمواقع نائية لتجنب التدمير المصاحب، وهو خيار لا يتوفر بين أيدي إسرائيل نظراً لضيق مساحتها الجغرافية.
وقال ميلويان لصحيفة إزفيستيا الروسية في عددها الصادر اليوم: "ثمة دور هام يؤديه عامل الحجم الصغير لاقتصاد إسرائيل وامتلاكها مكوناً جوياً أكثر كلفة. هناك احتمال أن ترد إسرائيل على الهجمات بشن ضربات ممنهجة على مجمع إنتاج النفط والمصافي الإيرانية. في هذه الحالة، قد تلعب إيران ورقة التهديد بإغلاق مضيق هرمز الذي قد يفضي تحقيقه إلى نشوب أزمة طاقة".
من جهته، اعتبر المدون الروسي المعارض الهارب إلى إسرائيل، مكسيم كاتز، أنّ هذه الحرب "تكشف تغيراً هامًا طرأ على سياسات إسرائيل حيال الجيران ممن يشهرون هدف القضاء عليها" خلفاً للرؤية الإسرائيلية لـ"التعايش غير الودي" عبر عزل الذات عن الخصوم، متسائلاً "لماذا غضّت إسرائيل منذ عام 1979 الطرف عن وجود نظام يريد القضاء عليها على مسافة قريبة؟".
ومع ذلك، أقرّ كاتز الذي تصنّفه وزارة العدل الروسية "عميلاً للخارج" والصادر بحقه حكم غيابي بالسجن لمدة ثماني سنوات، بأنّ الطموحات النووية الإيرانية ترجع بالدرجة الأولى إلى المساعي إلى "تعزيز النظام وتأمين النفس من التدخل الخارجي" وليس بهدف "إلقاء قنبلة على تل أبيب"، واصفاً ذلك بـ"الانتحار" و"التحول إلى رماد نووي". وخلص إلى أن هدم النظام الإيراني الذي لا يذهب أبعد من التهديد ليس في مصلحة إسرائيل حتى لا تحل محله "ذئاب فتية" تريد حرباً حقيقية.
اتصالات روسية لاحتواء الأزمة
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد أجرى سلسلة من الاتصالات مع الأطراف المعنية، بما في ذلك مع نظيره الأميركي، دونالد ترامب، أول أمس السبت، وقد وصف الاتصال معاون الرئيس الروسي للشؤون الخارجية، يوري أوشاكوف، بأنه كان "صريحاً ومفيداً" وتركز على "التصعيد الخطر" للوضع في الشرق الأوسط. وقبل ذلك بيوم، أجرى بوتين، مساء الجمعة، اتصالين هاتفيين منفصلين مع نظيره الإيراني، مسعود بزشكيان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على خلفية الهجوم الليلي الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية.
وفي اتصاله مع بزشكيان، أعرب بوتين عن تعازيه في سقوط ضحايا جراء الضربات الإسرائيلية، مندداً بأعمال إسرائيل التي تنتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. وأثناء الاتصال مع نتنياهو، أكد بوتين على استعداد روسيا لأداء دور الوساطة بغية منع استمرار التصعيد، وفق بيان نشر على الموقع الرسمي للكرملين.
ونددت وزارة الخارجية الروسية هي الأخرى بالضربات الإسرائيلية "غير المقبولة" على "المدن السلمية النائمة ومواقع البنية التحتية العاملة في مجال الطاقة النووية"، داعية الطرفين إلى ضبط النفس. وقالت الوزارة في بيان: "الضربات العسكرية غير الجوابية على دولة ذات سيادة عضو في الأمم المتحدة ومواطنيها والمدن السلمية النائمة ومواقع البنية التحتية في مجال الطاقة النووية مرفوضة تماماً".
