
خلال العامين الماضيين، ظل الشرق الأوسط بقعة توتر كبيرة، إذ شنت إسرائيل عدواناً وحشياً على قطاع غزة، وحرباً واسعة على حزب الله في لبنان، وتبادلت الضربات مع إيران، وشنّ الحوثيون في اليمن هجمات ضد سفن الاحتلال والدول الداعمة لها في البحر الأحمر، ومع ذلك، ظلت أسواق النفط هادئة، بعد تجنب أسوأ سيناريو، وهو حرب شاملة بين إسرائيل وإيران، لكن هذا السيناريو يبدو الآن وشيكاً بشكل مقلق.
في ساعة متأخرة من مساء الخميس الماضي، شنّت إسرائيل عشرات الغارات الجوية على مواقع عسكرية ونووية إيرانية، ما دفع إيران للرد بقصف صاروخي تزايدت حدته وفعاليته بشكل جلي، مساء السبت. وطاولت الهجمات الإسرائيلية مصافي للنفط والغاز في إيران وامتد الرد الإيراني إلى أنابيب نفط في حيفا على الجانب الآخر. ويهدد التصعيد الحاصل بإشعال منطقة الخليج، التي تضخ ثلث نفط العالم، إذ ارتفع خام برنت، وهو المعيار العالمي، بنسبة 8%، يوم الجمعة الماضي، ليصل إلى 74 دولاراً للبرميل.
حتى الآن، لم تُفقد أية إمدادات نفطية، لكن ارتفاع الأسعار يعكس احتمال حدوث اضطرابات في المستقبل. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما اشتعلت التوترات آخر مرة بين إسرائيل وإيران، سمح رد فعل إيراني رمزي إلى حد كبير بخفض التصعيد. لكن لا يبدو أن هذه هي النتيجة الأكثر ترجيحاً حالياً. ويقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن الضربات على إيران ستستمر "مهما طال الزمن". كما حذر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من أن الخطوة التالية لإسرائيل قد تكون "أكثر وحشية". وبالتالي، قد تستمر دورة الضربات والانتقام لأسابيع.
وفي حال توقف صادرات النفط الإيراني، سينخفض المعروض العالمي بمقدار 1.7 مليون برميل يومياً. ورغم أنه يمكن تعويض هذه الإمدادات بسهولة من جانب جيران إيران في الخليج، وهم جوهر منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، عبر العديد من الآبار الخاملة، حيث تمتلك المملكة العربية السعودية والإمارات وحدهما طاقة إنتاجية فائضة تتراوح بين ثلاثة وأربعة ملايين برميل يومياً، يمكنهما استخدامها في أوقات الأزمات، فإنه ليس من المسلّم أنهما ستفعلان ذلك، لأن إيران قد تعتبره تعاوناً مع إسرائيل، مما يستدعي رداً انتقامياً، وفق تقرير لمجلة إيكونوميست البريطانية. كما أن الرياض وأبوظبي لن تمانعا ارتفاع الأسعار، بعد أن حاولا (وفشلا) في رفعها خلال معظم العامين الماضيين. وفي مثل هذه الحالة، سترتفع الأسعار مع تراجع صادرات النفط الإيرانية. وقد تصل إلى ما يقرب من 90 دولاراً للبرميل.
وكلما زادت إسرائيل عدوانية، زاد خطر لجوء إيران إلى إجراءات يائسة، بحسب التقرير. ومن أكثر الخيارات إلحاحاً محاولة إغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره 30% من النفط الخام المنقول بحراً في العالم، و20% من الغاز الطبيعي المسال. حتى في "حرب الناقلات" في ثمانينيات القرن الماضي، عندما خاضت إيران والعراق حرباً، وتعرضت 239 ناقلة نفط للقصف، لم تتباطأ الشحنات، واستقرت الأسعار بعد ارتفاعها الأولي. لكن إيران هذه المرة قد تضطر إلى إغلاق المضيق بأكمله، وسيكون هذا قراراً متهوراً، وفق التقرير، لا سيما أن هذا الممر المائي الضيق، الذي يربط الخليج العربي بالمحيط الهندي، حيوي لإيران نفسها.
علاوة على ذلك، من المرجح أن ترسل الولايات المتحدة التي يريد رئيسها إبقاء أسعار النفط منخفضة، والصين التي تعتمد على واردات النفط من الخليج، قواتهما البحرية لفتح المضيق. وعلى الرغم من تهديد إيران بمثل هذا الإجراء عدة مرات، لم تجرؤ حتى الآن على المخاطرة. وفي حال إغلاق المضيق يمكن للسعودية تحويل بعض الصادرات عبر خط أنابيبها "شرق ـ غرب"، الذي تبلغ طاقته خمسة ملايين برميل يومياً، أي ما يعادل حوالي نصف إنتاج المملكة. لكن 85% من صادرات العراق، وجميع صادرات الكويت وسلطنة عُمان وقطر، لا تجد طريقاً آخر للوصول إلى السوق، مما يعني أن سعر خام برنت قد يتجاوز 100 دولار للبرميل، وفقاً لمايكل هايغ من بنك سوسيتيه جنرال.
وهناك سيناريو أسوأ من ذلك، فالعديد من أكبر مواقع إنتاج النفط في الخليج تقع في مرمى الصواريخ الإيرانية. وحمايتها شبه مستحيلة، نظراً لامتدادها على مسافات شاسعة. وإذا قصفتها إيران، فقد تتجاوز الأسعار 120 دولاراً للبرميل، وفقاً لبنك جيه بي مورغان الأميركي. وبينما تتزايد المخاطر في جميع أنحاء المنطقة بفعل توسيع الاحتلال الإسرائيلي رقعة عدوانه في المنطقة، فإن أسواق النفط العالمية تبدو أكثر عرضة للاشتعال.
