
أنهت أسعار النفط العالمية، الأسبوع المنصرم، بارتفاع لافت على واقع شن إسرائيل ضربات مكثفة على المواقع النووية الإيرانية التي دفعت بأسعار نفط برنت للعقود الآجلة لأغسطس/آب المقبل، نحو الارتفاع بنسبة 13% إلى أكثر من 78 دولاراً للبرميل، فيما يعد أعلى مستوى لها منذ يناير/كانون الثاني الماضي.
ورغم تباطؤ وتيرة الزيادة في تعاملات لاحقة، فإنها تستهل الأسبوع الجديد عند مستوى يفوق الـ70 دولاراً، مما يشكل عامل دعم لاقتصادات الدول المصدرة، وعلى رأسها روسيا التي تضطر لتقديم خصومات على نفطها "يورالز" المحظور في الاتحاد الأوروبي. وجنت أسهم شركات النفط الروسية هي الأخرى مكاسب بنسبة تصل إلى 5% في تعاملات بورصة موسكو في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على إيران.
ويوضح الخبير في المعهد المالي، التابع للحكومة الروسية، ستانيسلاف ميتراخوفيتش، أن الارتفاع الحالي لأسعار النفط لن يترجم بالضرورة إلى إطالة أمده في حال حدثت التهدئة بين إيران وإسرائيل، مقراً في الوقت نفسه بأن الوضع الراهن يصب في مصلحة الخزانة الروسية بصرف النظر عن التصريحات الروسية المنددة بالهجوم الإسرائيلي على إيران.
ويقول ميتراخوفيتش لـ"العربي الجديد": "من وجهة نظر قطاع الطاقة، فإن الدور الحاسم سيكون لحدود هذا التصعيد. وفي حال شهدت الأيام، أو حتى الأسابيع المقبلة، حالة من التهدئة وتحولت المواجهة إلى (محاكاة الملاكمة)، ففي هذه الحالة قد تتراجع الأسعار إلى مستوى ما قبل التصعيد. لكن في حال شملت الضربات الجديدة استهداف المواقع النفطية الإيرانية، ففي هذه الحالة ستعاود أسعار النفط ارتفاعها وستعوض ما تكبدته من الخسائر جراء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في الأشهر الأخيرة".
ويجزم باستفادة روسيا من التصعيد الجاري سياسياً واقتصادياً، مضيفاً: "استمرار ارتفاع الأسعار سيصب، بالطبع، في مصلحة روسيا التي تعتمد على عوائد تصدير النفط حتى إذا كانت تندد على الصعيد الدبلوماسي بالضربات الإسرائيلية وستظل، بلا تقديم أي دعم عسكري يذكر لطهران، خاصة أن الدعم الإيراني لروسيا في نزاعها مع أوكرانيا كان محدوداً مقارنة مع الدعم الكوري الشمالي، ما يعني أن موسكو ستتعامل بالمثل".
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره الإيراني، مسعود بزشكيان، قد وقعا أثناء زيارة الأخير إلى موسكو في منتصف يناير الماضي، على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي ينص البند 3 من مادتها الثالثة على أنه في حال تعرض أي من طرفيها لعدوان، فعلى الطرف الثاني "ألا يقدم للمعتدي أي عون عسكري، أو غيره من العون، من شأنه الإسهام في مواصلة العدوان، بل يساهم في تسوية الخلافات الناشبة في إطار ميثاق الأمم المتحدة وغيره من أحكام القانون الدولي"، مما لا يضع على عاتق روسيا أي التزامات أمنية تجاه إيران، على عكس الاتفاقية المماثلة الموقعة مع كوريا الشمالية التي تقتضي دفاعاً مشتركاً.
من جانب آخر، يقلل رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط، الأستاذ الزائر في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، مراد صادق زاده، من أهمية التأثير طويل الأجل للارتفاع الراهن لأسعار النفط على الاقتصاد الروسي، محذراً من أن إطالة أمد الأسعار المرتفعة قد يصيب الاقتصاد العالمي بالركود. ويقول صادق زاده لـ"العربي الجديد": "على المدى القصير، يؤثر صعود النفط إيجاباً على روسيا كونها واحدة من أكبر مصدري الهيدروكربونات على مستوى العالم. وفي الوقت نفسه إن قفزت أسعار النفط إلى ما بين 90 و100 دولار فأكثر للبرميل، فلن يحقق ذلك نفعاً بعيد المدى لأحد، لأن آلية أوبك+ هدفت في الأساس إلى تحقيق التوازن بالسوق ودعم تنمية الاقتصاد العالمي".
ويحذر صادق زاده من مغبة الارتفاع الحاد لأسعار النفط، مضيفاً: "ستصيب إطالة أمد ارتفاع أسعار النفط الاقتصاد العالمي بالركود التضخمي بمختلف القطاعات. يمر الاقتصاد العالمي بمرحلة حرجة، في ظل اتباع الغرب سياسات فرض عقوبات أحادية الجانب، ولن يتحمل أسعار النفط فوق الـ90 دولاراً التي ستفجر حتماً أزمة مالية عالمية جديدة".
