الإعلام الإيراني والإسرائيلي
عربي
منذ 9 ساعات
مشاركة

ثمة شفافية على نحو معقول ومفاجئ في أداء الإعلام الإيراني مقارنة بتعتيم ليس مستغرباً في الأداء الإعلامي الإسرائيلي في أزمنة الحروب. ولا تُعرف الأسباب الحقيقية للشفافية الإعلامية الإيرانية، وما إذا كانت تأتي في سياق أعرض الهدف منه إظهار إيران دولةً قوية، واثقة من نفسها، ليس لديها ما تخفيه، خاصة على صعيد الخسائر، ولا سيّما أن الإعلام الإيراني نفسه لا يتمتع بذلك القدر الكافي من الحريات في أمور كثيرة، بعضها قليل الأهمية.
عسكرياً، لا تتعارض هذه الشفافية مع أهداف الحرب في يوميها الأولين، فأنت لا تستطيع التعتيم على اغتيال شخصيات كبيرة، عسكرية أو علمية أو سياسية، لوقت طويل؛ فالطرف الآخر، العدو، سيكشفه ويوظّف تعتيمك عليه لصالحه، فينقلب تعتيمك لو حدث ضدك. 
صحيح أن مفاعيل الكشف أو هذه الشفافية قد تكون عكسية، وتُظهر الدولة في حال من الضعف الذي قد يؤثر معنوياً على الجبهة الداخلية، لكن ذلك ليس كارثة إعلامية لأسباب عدة أنه قد يعني للآخر أنك لستَ بهذا الضعف الذي يظنه، إضافة إلى أنه قد يطبّع علاقة "الجمهور المستهدف"، ومنه الداخل أساساً، مع الخسائر حتى لو كانت جسيمة. وإذا كان هذا هو الهدف فإنه محفوف بالمخاطر، رغم أنه قد يؤدي إلى حفز مكامن القوة والتحدي لدى هذا الجمهور ليدافع عن نفسه، أو ليمنح ممثليه السياسيين تفويضاً مفتوحاً للرد بقوة وأياً تكن التبعات، وهذا وارد نظرياً لكنه يتحرك في منطقة خطرة قد تنقلب فيها المعاني ويؤدي إلى نتائج عكسية.
ولعلها شفافية انتقائية، وهي كذلك على الأغلب إذا كانت مقصودة، فهي لا تشمل الأهداف العسكرية الأخرى، فأنت لا تعرف حجم الضرر الذي أصاب بعض المواقع النووية، وعندما تُضرب لا تستطيع التعتيم على ذلك لأن العدو والأقمار الاصطناعية كفيلة بكشف لعبتك، لكنك تستطيع ممارسة لعبة التضليل من خلال الاعتراف بما عُرف والتكتم على ما تستطيع إخفاءه.
وإذا كان كل ما سبق صحيحاً، فهل يعني هذا أن لدى إيران استراتيجيات إعلامية خاصة بالحرب؟ ربما، لكنّ إثبات ذلك رهن التطورات وبعضها قد يكون معقداً، خاصة إذا دخل البلدان حرب مدن، وأصبح فيها إخفاء المعلومات جزءاً من استراتيجيات إدارة الحرب، وهو ما تفعله إسرائيل وفعلته منذ اليوم الأول، فحتى كتابة هذا المقال لا يعرف المشاهد حجم الضرر الذي أصاب محيط وزارة الدفاع في تل أبيب الذي تعرّض للقصف ليل الجمعة الماضي، فضلاً عن محدودية التغطية من هناك، والحظر المتشدد لتداول أي فيديوهات لأماكن سقوط الصواريخ الإيرانية.
تستطيع قنوات التلفزة العربية والعالمية، أو التي سُمح لها بالبث، نقل الحدث مباشرة من طهران، ولا تستطيع ذلك من تل أبيب، وصحيح أن التغطيات تظل مقيّدة في إيران لكنها موجودة في كل الأحوال، ما يسمح للمراسلين بالحديث عن قصف هنا أو هناك على الهواء مباشرة، وتحديد مكان الضربة إذا حدثت ونطاقها، وهو ما لم نشهده في حالة إسرائيل، ومن المبكر جداً إطلاق حكم قيمة على استراتيجية البلدين الإعلامية لدى كل منهما، ومنها اعتبار الشفافية الإعلامية الإيرانية ميزة أو غباء استراتيجياً، فهذا رهن بتطورات الأحداث، والتيقّن من وجود استراتيجية أصلاً من عدمها لدى إيران.

وما يمكن الإشارة إليه أيضاً أن التعتيم لا الكشف هو استراتيجية إعلامية راسخة في حروب إسرائيل، التي تتحوّل إلى دولة عسكرية في إدارة التغطيات الإعلامية خلال الحروب، فثمة أقسام خاصة في وزارة الدفاع مخصصة لهذا الغرض، والمعلومات تُكشف ولا تُعرف، بمعنى يُسمح بنشر ما يُراد منها ولا يُسمح للإعلام نفسه بالوصول إليها، وإذا وصل فعليه أن يُخضعها لعمليات تكييف وفقاً لتعليمات عسكرية يبدو أنها صارمة، وتعي ما تفعله وتوظّفه في سياق يتعلق بالأهداف السياسية للحرب وليس لأهداف إعلامية أو لأسباب تتعلق بحرية التعبير في أي حال. 
وما يمكن قوله هنا إنه سيغدو من العسير جداً على إسرائيل الإبقاء على هذه الاستراتيجية في مقبل الأيام، خاصة إذا تحوّلت الحرب إلى حرب مدن وقصف أهداف مدنية، إلا إذا كانت تظن أن بإمكانها توظيف مساحة الغموض الذي أنشأته بخصوص الهولوكست هو الاستراتيجية الوحيدة للتحكم في كل رواية تخصها.  

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية