
خلال شهر مايو/أيار الماضي، أقر المجلس النيابي اللبناني "قانون العمل المرن"، بعد أربع سنوات على تقديم اقتراح بتعديل بعض أحكام القانون من جانب لجنة المرأة والطفل النيابية، انطلاقاً من التحديات التي تواجه النساء العاملات، خاصة منذ بدء الأزمة المالية في عام 2019، ثم انفجار مرفأ بيروت في عام 2020، وتداعيات جائحة كورونا، وصولاً إلى العدوان الإسرائيلي.
واستند الاقتراح إلى توصيات دراسة حالة أعدّتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "إسكوا" بالتعاون مع منظمة العمل الدولية ووزارتَي الشؤون الاجتماعية والصحة العامة في لبنان، وركز على معالجة أوجه القصور في نص قانون العمل لمواكبة التطورات العالمية، وجعله أكثر فعالية في تخفيف عبء الرعاية غير مدفوعة الأجر على المرأة، وتعزيز مشاركتها في سوق العمل، وكذلك المساهمة في الحد من العمالة غير المنظمة عبر توسيع سقف الحماية القانونية في ظل ترتيبات العمل المرن.
تؤكد رئيسة مصلحة القوى العاملة في وزارة العمل اللبنانية، إيمان خزعل، لـ "العربي الجديد"، أهمية "قانون العمل المرن" كونه يمنح مظلة الحماية القانونية لكل الفئات العاملة، ويرسي ركيزة البدء بالتنظيم على مستوى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بعدما صنّف هؤلاء العمّال أجراء.
وتوضح: "النساء أكثر الفئات المستفيدة من التعديلات الجديدة على قانون العمل نظراً للأعباء العائلية الملقاة على عاتقهنّ، ويتضمن القانون الجديد بعض المواد والمصطلحات التي تسمح بالعمل عن بُعد، وتُدرجه تحت مظلة قانون العمل، كما ينظم العمل الجزئي بشكل يكفل الحقوق، كما الدوام الكامل، لكن بطريقة تناسبية، بمعنى نصف دوام يقابله نصف راتب ونصف إجازات وساعات راحة، مع الاستفادة من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، كما يُدرج القانون العمل الموسمي تحت مظلة الحماية الاجتماعية من منطلق أن كل عقد عمل هو عقد محدد المدة، ولا يمكن صرف الموظف قبل انتهاء المدة، وإلا تعويضه".
تتابع خزعل: "بالنسبة لتقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في ما يتعلق بالعمل الموسمي، فإنه يحتاج إلى آلية تنظيم وتمويل خاصة، ومن الضروري وضع مرسوم تطبيقي يوضّح آليات الاستفادة والتمويل، وهناك مصلحة عامة بعدم تأخر المراسيم، حيث إن الأعمال المرنة في تزايد مستمر. أما العمل الزراعي غير الموسمي، فهو معقد أكثر، ويحتاج لتنظيم خاص يراعي طبيعته. كما يلحظ القانون تنظيم العمل المضغوط الذي يقوم على تكثيف عدد ساعات العمل في عدد أيام أقل، بشرط الحفاظ على ساعات الراحة التي ينص عليها القانون".
وتشدد رئيسة مصلحة القوى العاملة على ضرورة التزام أصحاب العمل بالقانون، وتقول: "هناك تجاوزات، والمشكلة ليست في القوانين، إنما في آلية تنفيذها. حتى في الدول الأوروبية هناك مخالفات. من هنا تظهر أهمية التشبيك بين الوزارات المعنية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للحد من محاولات التهرّب من تنفيذ القانون".
وسبق لمنظمة العمل الدولية أن سلطت الضوء على أنماط العمل الحديثة التي فرضها التطور التقني تفادياً لبقاء شريحة كبيرة من العمّال خارج إطار التغطية والحماية القانونية، وذلك كي لا تتعاظم مساحة العمل غير الرسمي، لا سيما أن العديد من هؤلاء العمّال أثبتوا قدرتهم على العمل من المنزل، وتحقيق الإنتاجية ذاتها، إضافة إلى التوجه العالمي نحو الحد من استهلاك الطاقة وخفض معدلات التلوث والحفاظ على البيئة.
في الأول من مايو/أيار الماضي، كتب النائب اللبناني سليم الصايغ، عبر منصة "إكس": "في عيد العمّال، أحلى هدية نقدمّها نحن النواب للعاملين عن بُعد أو من المنزل أو بدوام متحرك، هي إقرار قانون العمل المرن الذي يعدّل أحكام قانون العمل رقم 23/1946. هذه الخطوة تضمن عدالة أكثر، وفرصاً أوسع، وحماية لكل عامل وعاملة في البلاد، لأن كرامة الناس لا يجب أن تكون عرضة للتساهل أو التنازل".
وعدّد الصايغ أبرز التعديلات، ومنها أن "يشمل العمل المرن الدوام الجزئي، والعمل عن بُعد، والعمل حسب ساعات محددة أو متغيّرة، ويمكن الانتقال بين نظامَي العمل الجزئي والدوام الكامل بناءً على اتفاق الطرفين. غير أن الأجير المرن يتمتع بنفس الحقوق الأساسية كالأجر، والتأمين، والحماية من الصرف، والمساواة وعدم التمييز. ويُلزم هذا أصحاب العمل تحديد طبيعة العمل المرن وشروطه في عقد واضح، واحترام قانون العمل، وضمان الحماية الاجتماعية. وفي ما يتعلق بالعمل عن بُعد، يحقّ للعامل العمل من أي مكان يختاره وفقاً لتوجيهات ربّ العمل".
ويوضح المحامي اللبناني ربيع قيس، لـ"العربي الجديد"، أن "إقرار قانون العمل المرن يشكل نافذة مهمة للحالات الاستثنائية، خاصة النساء العاملات، إذ يسمح لهنّ بتنظيم علاقة العمل عن بُعد إثر الولادة، أو خلال فترة الحمل وغيرها من الظروف الاستثنائية. لكن القانون يبقى إطاراً عاماً في حال عدم تطبيقه بشكل سليم، وهو يستلزم نوعاً من الاتفاق والتفاهم بين الأجير وربّ العمل، لا سيما أن الإشكاليات كبيرة لجهة مراقبة أداء الأجير وإنتاجيته".
ويتابع: "قانون العمل واضح وصريح في النصّ على تأدية العامل مهامه تحت إدارة وإشراف وتعليمات ربّ العمل، لكن مع آلية العمل عن بُعد، فإن الرقابة قد تتحقق، لكنها تعتمد بالدرجة الأولى على مدى تحلّي الأجير بالمسؤولية وحس الالتزام والمصداقية لتحقيق الإنتاجية، وهذه إشكالية تستدعي البحث في سبل التأكد من إنتاجية العامل".
ويشير قيس إلى أن "القانون الجديد لا ينطبق على كل أنواع العمل، فبعض الأعمال يعتمد على تقديم الخدمات بشكل مباشر، ويستحيل أن يكون عن بُعد، بخلاف الأعمال المكتبية. مع العلم أن مفهوم العمل عن بُعد انتشر بشكل واسع بعد جائحة كورونا، بينما العمل بطبيعته وأساسه يكون في مكان العمل، وقد بدأت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية إعادة النظر بمسألة العمل عن بُعد، وألغى الرئيس دونالد ترامب أخيراً مفهوم العمل عن بُعد، وطلب من جميع الموظفين الفيدراليين العمل من إدارات الدولة".
