
تنتشر في العديد من أحياء المدن الليبية لافتات الدعاية لعيادات طبية تستخدم الأعشاب والطب البديل، وأخرى خاصة بــ"الحجامة"، وصار معتاداً الإقبال عليها بحثاً عن العلاج أو الراحة النفسية في ظل تردي المنظومة الصحية في البلاد.
وحسب شهادات ليبيين ترددوا على هذه العيادات، فإنهم يواجهون خيارات صعبة نتيجة ارتفاع تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصة، وتدهور الخدمات الصحية بالمستشفيات الحكومية، فضلاً عن تراجع الأوضاع المادية، ما يدفعهم للبحث عن بدائل أرخص، حتى لو كانت خارج الإطار الطبي.
وتنشر عشرات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي قصصاً حول نجاحات أطباء الأعشاب والمتخصصين في الطب البديل، وبعضهم يكتفي بالإشارة إلى شهادات من جامعات غربية، والبعض الأخر يتحدث عن خبرات متوارثة في الحجامة، ووصل الأمر حد إعلان تأسيس "النقابة العامة للحجامة والطب البديل" والتي تنشر مراسلات وبيانات من دون وضوح وضعها القانوني.
تتردد منى النايض، وهي موظفة من العاصمة طرابلس، على عيادة للعلاج بالأعشاب، وتقول لـ"العربي الجديد" إن "المستشفيات الحكومية تخلو حتى من أبسط لوازم العلاج، وتغيب عنها النظافة والتعقيم، فضلاً عن ندرة الأطباء الأكفاء، فأكثر من يعملون في تلك المستشفيات هم من حديثي التخرج، ومن دون أي إشراف من الخبراء الذي يفضلون العمل في العيادات الخاصة، وهذه العيادات فواتيرها باهظة". تكرر النايض زيارة عيادة للطب البديل لعلاج مشاكل جلدية، وتؤكد أن "العلاج بالأعشاب في حالتي آمن أكثر من العقاقير الطبية، والتي أتشكك دائماً فيها في ظل تفشي بيع الأدوية المغشوشة في الصيدليات".
في المقابل، يؤكد مسؤولون حكوميون أن الأوضاع المتردية للقطاع الصحي الحكومي هي نتاج عقود من الإهمال والتجاهل، ويعلنون كل فترة عن برامج وخطط جديدة لرفع مستوى القطاع الصحي، وتوطين العلاج، لكن تلك الإعلانات لا يعقبها تنفيذ جاد.
ويقول علاء الكيلاني، من صبراته غرب طرابلس، إنه اضطر إلى السفر إلى تونس لعلاج طفله من إعاقات على علاقة بمرض هشاشة العظام، قبل أن يرجع إلى البلاد بعد أن أعياه الانتظار من أجل ضم ابنه إلى قوائم المعالجين على نفقة الدولة، وإنه مع تفاقم الأزمات الداخلية، وتعقيد السفر إلى الخارج، زاد اعتماده على البدائل الشعبية المحلية.
يتردد الكيلاني على معالج محلي بالجبائر والأعشاب، ورغم أنه البديل الوحيد المتاح أمامه، إلا أنه يبدي عدم قناعته به، خاصة مع عدم ظهور نتائج واضحة على طفله حتى الآن. ويضيف: "الإقبال الكبير على الطب الشعبي شجع على انتشار عياداته، فضلاً عن نجاحها في معالجة بعض الأمراض غير المزمنة التي لا تتطلب تراكيب دوائية معقدة، إضافة التكاليف المنخفضة. تروج منصات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع لعروض علاجية للأمراض النفسية بواسطة الرقى والأدعية، وكذلك العلاج بالحجامة".
ويحذر كثير من الأطباء من الإقبال على التداوي بالأعشاب أو الحجامة من دون مراجعة المتخصصين. يقول الطبيب بمستشفى طرابلس المركزي، حسن بو لايحة، إنه دائماً ما يحذر مرضاه من عيادات الطب الشعبي نظراً لمخاطرها، بخاصة مع تدخل ممارسيها في علاج مشاكل صحية معقدة.
ويوضح بو لايحة لـ"العربي الجديد" أن "ممارسي الطب البديل بالأعشاب والحجامة تدخلوا في علاج أمراض كثيرة، من بينها أمراض الدم والأمراض الجلدية وعلاج العظام. غالبية ممارسي الطب الشعبي هم هواة وليسو متخصصين. الأعشاب ومستحضراتها وكيفية التعامل معها تخصص تتم دراسته في الأوساط الأكاديمية، وهناك شهادات معترف بها دولياً في طب الأعشاب، وعلى أساسها تصدر الدول تراخيص لم يمارس هذه المهنة، وهي عادة ضمن تخصص الصيدلة، وفي الأغلب يُعرّف هذا النوع من الطب علمياً بالطب التكميلي". ويؤكد أن "المتخصصين في هذا النوع من الطب قلة في ليبيا، كما أن التشريعات الليبية لا تضم أطراً قانونية تمنح لمن يتخصص في هذا النوع من الطب تراخيص المزاولة، وينبغي بحث الأسباب الجذرية التي تدفع الناس للإقبال على الطب البديل، مع العمل على رفع كفاءة الأطباء، وإعادة الخدمات الأساسية إلى المستشفيات الحكومية، خاصة في المناطق النائية التي أغلقت فيها مستشفيات عديدة أبوابها".
وتتصل بعض هذه الأنواع من المعالجات بما يعرف بـ"الطب التقليدي الصيني"، والذي باتت له عيادات خاصة ورواد، خاصة عيادات الوخز بالإبر الصينية، لكن مجلس التخصصات الطبية، وهو الجهة المسؤولة عن التصنيفات العلمية لتخصصات العلاجات الطبية في ليبيا لا يعترف بهذا النوع من الطب.
