الكتاب الأبيض... مهاجرو بريطانيا يخشون التهميش والتمييز
عربي
منذ 6 ساعات
مشاركة

يعيش مهاجرون اختاروا الاستقرار في بريطانيا قلقاً في ظل تشديد قوانين الهجرة، وضبابية مصيرهم في ظل الإجراءات الجديدة، ويخشى البعض أن تُمارس بحقه سياسة تمييزية.

"أشعر أنني محطّم نفسياً... أعيش قلقاً يومياً لا يفارقني"، بهذه الكلمات يلخّص محمد عبد المقصود، وهو شاب من صعيد مصر في الثلاثينيات من عمره، وضعه النفسي في ظلّ الضبابية التي فرضها "الكتاب الأبيض"  الذي أعدّه فريق من الحكومة، على مستقبله في المملكة المتحدة.
ومن أبرز الإجراءات المضافة إلى نظام الهجرة القانوني، التي كُشف عنها من خلال الكتاب الأبيض ما يتعلّق بربط الهجرة بـ"الاندماج" وتحسين مهارات اللغة الإنكليزية للراغبين في الاستقرار بالمملكة المتحدة، إلى جانب مضاعفة المدّة التي يمكن في خلالها التقدّم للحصول على الجنسية البريطانية من خمسة أعوام إقامة إلى عشرة، بالإضافة إلى اتباع سياسة ترحيل المهاجرين "المجرمين".
يعمل عبد المقصود بدوام كامل، ويدفع الضرائب والتأمينات، ولم يحصل يوماً على أية مساعدات حكومية، لكنه يخشى أن تتحوّل سنوات من الاستقرار والعمل الجاد إلى حالة من الانتظار المفتوح، وربما الحرمان، ويحكي أنه دخل إلى الأراضي البريطانية قادماً من فرنسا في عام 2017، وتزوّج لاحقاً من مواطنة أوروبية، وبعد طول انتظار، حصل على إقامة مؤقتة لخمس سنوات عام 2021، بعد تأخيرات فرضتها جائحة كوفيد-19، وكان يستعد لتقديم طلب الإقامة الدائمة في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، بيد أنّه يعيش الآن في خوف من أن تؤدي السياسات الجديدة الواردة في الكتاب الأبيض إلى تمديد الإجراء خمس سنوات أخرى، بدلاً من أن تصبح الإقامة الدائمة على بُعد أشهر فقط. ويتكرر ما يعيشه محمد لدى آلاف المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل القانونية. 

اشتراطات اللغة الإنكليزية تُستخدم أداة لإقصاء بعض الفئات 

هذا القلق لا يعبّر فقط عن مخاوف شخصية يعيشها مهاجرون مثل محمد، بل يشاركهم أيضاً خبراء قانون الهجرة، الذين يحذّرون من أن التصريحات الحكومية الأخيرة، وعلى رأسها قول رئيس الوزراء كير ستارمر، إن "الإقامة الدائمة امتياز وليس حقاً"، تعكس توجّهاً نحو تشدد جذري قد يغيّر طريقة تعامل النظام البريطاني مع ملفات الإقامة ولمّ الشمل واللجوء، ويهدد آلاف الحالات المعلقة بفقدان فرصة الاستقرار.
في ردّهما على استفسارات "العربي الجديد"، تحذّر كل من المحامية والشريكة في قسم هجرة الأعمال في شركة بيندمانز (Bindmans) للمحاماة في لندن، ناتالي لودر، والمستشارة القانونية الأولى ورئيسة فريق هجرة الأعمال في الشركة، تانيا جولدفارب، من التوجّه الحكومي الوارد في "الكتاب الأبيض"، والذي يُبرز أن عدداً كبيراً من طلبات لمّ الشمل العائلي المقدّمة من أقارب المواطنين البريطانيين أو المقيمين الدائمين، تُمنح استناداً إلى "ظروف استثنائية"، رغم عدم استيفائها لشروط فئة التأشيرة.

وتوضحان أن الحكومة تسعى لتقييد السلطة التقديرية الممنوحة في هذه الحالات، في محاولة لإخضاع الطلبات بشكل أكثر صرامة لقواعد الهجرة المحددة، ما قد يؤدي إلى استبعاد عدد كبير من الحالات التي تستحق النظر الإنساني الفردي. وتؤكدان ضرورة أن تأخذ السياسات الحكومية في الاعتبار التباين بين العائلات، لكونها لا تتشابه، ثم يجب تقييم كل طلب على حدة، مع مراعاة أي ظروف استثنائية قد تنطبق على مقدّمه. كذلك تشددان على أهمية انسجام قوانين الهجرة مع الإطار القانوني الأوسع في المملكة المتحدة، ولا سيما عندما تكون حقوق الإنسان على المحك. وفي الحالات التي لا يحقق فيها رفض التأشيرة أي هدف مشروع، من غير المقبول، بحسب رأيهما، أن تتغوّل اعتبارات سياسة الهجرة على الالتزامات القانونية المتعلقة بحقوق الإنسان.
وتؤكد المحاميتان أن الكتاب الأبيض يعبّر عن نية الحكومة تشديد الإجراءات على طلبات التأشيرة المقدّمة من مواطني دول ذات معدلات لجوء مرتفعة، ممن يُحتمل، بحسب تقديرات داخلية، أن يتجاوزوا مدة الإقامة أو يتقدّموا بطلبات لجوء مستقبلية. مع ذلك، لم تُفصّل الحكومة المعايير التي ستُعتمد لتحديد هذا الاحتمال، ما يثير مخاوف من أن تتحوّل بعض الجنسيات، مثل النيجيرية والباكستانية والسريلانكية، إلى هدف لمعالجة أكثر تشدداً مقارنة بجنسيات أخرى.
وتحذّر لودر وجولدفارب كذلك من خطر الانزلاق إلى نظام مزدوج المعايير قائم على التصنيف التمييزي للجنسيات، معتبرتين أن مثل هذا النهج قد يعزل مجتمعات بعينها، ويقوّض صورة المملكة المتحدة على الصعيد الدولي وجهةً رائدةً في مجالات التعليم والعمل والاستثمار. وتختمان حديثهما بالتأكيد أن طلبات اللجوء تخضع أصلاً لتدقيق صارم، وأن هذه المقترحات الجديدة ليست سوى وسيلة إضافية للرفض، واصفتين إياها بأنها "تمييزية في أفضل الأحوال، وغير إنسانية في أسوئها".

من جهتها، تنتقد الرئيسة التنفيذية لشبكة حقوق المهاجرين في المملكة المتحدة، فيزا قريشي، مقترحات الكتاب الأبيض الحكومية، معتبرة أن اشتراطات اللغة الإنكليزية الواردة فيها تُستخدم كأداة لإقصاء فئات بعينها من دخول البلاد. وتوضح لـ"العربي الجديد" أن هذه الاشتراطات ليست جديدة، بل تُطبق على نطاق واسع في معظم برامج التأشيرات، وغالباً ما تُوظف لتعزيز تصورات مغلوطة تربط ضعف إجادة اللغة بعدم القدرة على الاندماج، وهو ما اعتبرته "تبريراً" لسياسات هجرة أكثر تشدداً، تستهدف المهاجرين وأصحاب الخلفيات العرقية المختلفة.
وتسلط قريشي الضوء على أوضاع العاملين المهاجرين في قطاع الرعاية، الذين يواجه كثير منهم "حالة من الضبابية وعدم اليقين" بشأن مستقبلهم، في ظل المقترحات التي تنص على إنهاء نظام تأشيراتهم بحلول عام 2028. وتشير إلى أن عدداً من هؤلاء تعرضوا لانتهاكات وصلت إلى "الاستغلال وظروف عمل أقرب للعبودية"، محذرة من أن إنهاء هذا النظام لن يعالج جذور المشكلة، بل سيمنح المستغِلين فرصة للإفلات من المساءلة.
وتعرب عن "خيبة أمل كبيرة" إزاء ما وصفته بـ"استمرار تشويه صورة قطاع الرعاية"، الذي يُوصَف رسمياً بأنه مجال منخفض المهارة، رغم ما يتطلبه من تدريب متخصص وتحمل لأعباء جسدية ونفسية كبيرة. تضيف أن الهيئات الممثلة للعاملين في القطاع أبدت قلقها من تداعيات السياسات الجديدة، خصوصاً في وقت يواجه فيه القطاع عجزاً يتجاوز 130 ألف وظيفة، وسط صعوبات في التوظيف محلياً بسبب شيخوخة السكان، وتدني الأجور، وساعات العمل الطويلة.
وتحذر قريشي من أن المتضرر الأكبر من هذه السياسات هم أولئك الذين يعتمدون على خدمات الرعاية، مؤكدة أن "الحلول الحقيقية تكمن في تحسين الأجور وظروف العمل ومكافحة الاستغلال، لا في فرض قيود إضافية على الهجرة".

وفي تعليقه على الكتاب الأبيض، يعرب مجلس اللاجئين البريطاني عن "قلق بالغ" من التوجهات الحكومية الجديدة في سياسة الهجرة، محذراً من أنها قد تعيق وصول الفارين من الحروب والاضطهاد إلى الحماية، وتضع عراقيل إضافية أمام اللاجئين في بناء حياة مستقرة.
وفي بيان لرئيسه التنفيذي، إنفر سولومون، يقول إن المقترحات "تفتقر إلى المبادئ وتعتمد على شعارات شعبوية"، مشدداً على أن الحق في اللجوء التزام إنساني لا يجوز التراجع عنه. ويلفت إلى أن سياسات الهجرة يجب أن تعكس القيم البريطانية، لا أن تعمّق الانقسامات أو تعيق الاندماج، داعياً إلى نظام يعزز التماسك الاجتماعي لا يقوّضه.
وفي وقت تبرّر فيه الحكومة البريطانية توجهاتها الجديدة بالحاجة إلى ضبط نظام الهجرة، يرى خبراء ومؤسسات حقوقية أن هذه السياسات قد تُفاقم معاناة المهاجرين وتنسف المبادئ الإنسانية والقانونية التي لطالما تميّز بها النظام البريطاني. وبين الانتظار والإقصاء، يبقى مستقبل آلاف الأسر معلقاً على قرارات لم تتضح مآلاتها بعد.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية