
تبادلت إسرائيل وإيران استهداف مصافٍ للنفط والغاز وخطوط إمداد للطاقة، في تصعيد للحرب التي بدا أنها تركّز أخيراً على إحداث أضرار بمرافق حيوية من شأنها شلّ الاقتصاد، خاصة في إيران التي تعتمد كثيراً على النفط والغاز في مواردها، بينما قد تتألم إسرائيل أيضاً أكثر في حال اتّساع الاستهداف لشرايين الوقود لديها وانحباس الإمدادات مع استمرار الصراع.
بدأ الاحتلال الإسرائيلي أولاً بإدخال المنشآت الاقتصادية في صلب هجماته على إيران، بضرب مصافٍ للنفط والغاز، السبت الماضي، ما دفع طهران إلى الردّ بقصف مصفاة حيفا، وهو ما أكده وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي في كلمة له للسفراء الأجانب في طهران.
وقال عراقجي إنّ الكيان الإسرائيلي أقدم، السبت، على ضرب أهداف اقتصادية، بما فيها مصفاة طهران وبعض مواقع (الطاقة) في عسلويه (في محافظة بوشهر جنوبي البلاد)، "ولذلك قصفنا أهدافاً اقتصادية ومصافي في الكيان الصهيوني"، وأكد أن الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف عسلويه، حيث يقع أكبر حقول الغاز الإيرانية المطلّة على الخليج، "يُعد عدواناً سافراً وإجراءً بالغ الخطورة".
وفي السياق، حملت تصريحات عراقجي رسالة تهديد، إذ قال إن جرّ الاحتلال الإسرائيلي ساحة الاشتباك إلى منطقة الخليج "يُعتبر خطأ استراتيجياً جسيماً وربما مقصوداً، بهدف توسيع نطاق الحرب إلى ما وراء الأراضي الإيرانية... فهذه المنطقة حساسة ومعقدة للغاية، وأيّ تطور عسكري فيها قد يجرّ المنطقة بأسرها بل العالم كلّه إلى مواجهات أوسع".
استهداف 4 منشأت إيرانية للنفط والغاز
شنّت إسرائيل هجمات على ما لا يقلّ عن أربع منشآت للنفط والغاز، إذ أكدت وزارة النفط الإيرانية استهداف الاحتلال بطائرة مسيّرة، السبت، مصفاة الغاز في المرحلة 14 من حقل بارس الجنوبي، واصطدمت المسيّرة بأحد مرافق التكرير، ما أدى إلى انفجار ضخم في الموقع، إضافة إلى استهداف مصفاة "فجر جم"، وأعلنت الوزارة لاحقاً السيطرة على الحريق في المنشأتَين.
كما عاود الاحتلال الإسرائيلي، هجماته على مواقع الطاقة الإيرانية، لكن هذه المرة في العاصمة طهران، إذ استهدفت هجماته خزانات وقود في منطقة شمران شمال غربي العاصمة، ومخزناً للوقود بالقرب من مصفاة طهران جنوبها.
وأعلنت مصفاة طهران للنفط، في بيان لاحقاً، أنّ الحريق الذي اندلع في مستودعي النفط في شهران، والوقود جنوب طهران تحت السيطرة، وأضافت أن الدخان الأسود حول مستودع النفط ناتج عن احتراق مشتقات نفطية وسيختفي تدريجياً، ولا يوجد ما يدعو للقلق.
أهمية بالغة لمصافي النفط
تُعتبر صناعة تكرير النفط في إيران من أكبر وأهم القطاعات الحيوية في اقتصاد البلاد، إذ تمثل المصافي واجهة لصناعات النفط والغاز الإيرانية، ويتكون القطاع التكريري في إيران من تسع مصافٍ لتكرير النفط الخام والمكثفات الغازية، بطاقة استيعابية تبلغ نحو 2.4 مليون برميل يومياً. وتهدف هذه المصافي إلى تلبية احتياجات الطاقة الداخلية للبلاد، وتوفير المواد الخام للصناعات والوحدات البتروكيماوية، وتؤدي دوراً محورياً في تأمين الطاقة للصناعات المحلية، وتوفير وقود النقل، بالإضافة إلى تصدير جزء من المشتقات النفطية الفائضة عن الاستهلاك المحلي، الذي يحقق لها موارد كبيرة بالنقد الأجنبي لها دور كبير في الاقتصاد الإيراني.
ومصافي البترول عبارة عن مجمّعات صناعية عملاقة، وتحتوي على العديد من وحدات المعالجة المختلفة والمرافق الإضافية المساعدة مثل وحدات الخدمات ووحدات التخزين، وتنتج إيران يومياً من هذه المصافي ما يقارب 120 مليون لتر من وقود البنزين، وهو ما حقق للبلاد اكتفاءً ذاتياً في هذه السلعة الاستراتيجية، إلّا أن استهلاك البنزين تجاوز إنتاجه الداخلي، ما دفع السلطات إلى الاستيراد خلال العام الأخير.
تتوزع مصافي إيران في جغرافيّاتها الواسعة، في جنوب غربي إيران ووسطها وجنوبها وشمالها، منها مصافي طهران العملاقة. وتعود أكبر حصة من الطاقة التكريرية إلى مصفاة آبادان جنوب غربي البلاد، في حين أن أدنى حصة تعود إلى مصفاة كرمانشاه غربها الملاصق للعراق، وتقوم هذه المصافي التسعة بإنتاج معظم المشتقات النفطية في البلاد.
ويجري تزويد المصافي بالنفط الخام والميثانات الغازية عن طريق خطوط الأنابيب من الحقول النفطية في جنوب وجنوب غرب البلاد، وتُعد أغلب المصافي الإيرانية قديمة، بمتوسط عمر يبلغ 47 عاماً.
وتُعد مصفاة آبادان أول مصفاة نفط في إيران ومنطقة الشرق الأوسط، وتتمتع بتاريخ عريق يعود تأسيسها إلى عام 1913، وتقع في محافظة خوزستان جنوب غربي البلاد، وتبلغ طاقتها الإنتاجية 520 ألف برميل يومياً، وتشتهر بإنتاج البنزين والكيروسين، وما تزال حتى اليوم أحد الرموز البارزة لصناعة النفط الإيرانية.
وتأتي مصفاة أصفهان التي تأسست عام 1970 في الترتيب الثاني من حيث طاقة الإنتاج، بما يصل إلى 375 ألف برميل يومياً، وتعتبر من أهم مراكز إنتاج الوقود في وسط البلاد، إذ تقع في محافظة أصفهان، ويمنحها موقعها الجغرافي وقدرتها على الوصول إلى مسارات النقل دوراً محورياً في توزيع المشتقات النفطية.
وفي الترتيب الثالث تأتي مصفاة بندر عباس جنوبي إيران بالقرب من الخليج، وقد تأسّست عام 1992، ودخلت حيز التشغيل عام 1997، وتعمل اليوم باسم شركة مصفاة نفط بندر عباس. وتبلغ طاقتها الإنتاجية 350 ألف برميل يومياً من النفط الخام والمكثفات الغازية، وتغطي حوالى 18% من احتياجات إيران من المنتجات النفطية.
كذلك توجد مصفاة شازند في محافظة مركزي بوسط إيران، وتُعد من أكبر المصافي في البلاد، وتُوصف بأنها حصن إنتاج المشتقات النفطية في وسط إيران. وأُسست عام 1983، وتضم تقنيات حديثة في إنتاج البنزين والديزل، مع طاقة تكريرية تبلغ 300 ألف برميل يومياً، وتلعب دوراً مهماً في تزويد الصناعات ووسائل النقل بالوقود.
وخامساً مصفاة نفط طهران، التي تعد إحدى المصافي الرئيسية في البلاد، وتقع جنوب العاصمة. وتبلغ طاقتها اليومية 235 ألف برميل من النفط الخام، وتأسست عام 1967. وتتكون من وحدتَين شمالية وجنوبية، وتتحمل مسؤولية توفير المشتقات النفطية للمناطق الوسطى والشمالية والشمالية الشرقية من البلاد.
وفي الترتيب السادس، مصفاة تبريز في محافظة أذربيجان الشرقية شمال غربي إيران، وتبلغ سعتها 110 آلاف برميل يومياً من النفط الخام، وتأسّست عام 1977، بسعة أولية بلغت 80 ألف برميل يومياً، وارتفعت لاحقاً بعد تنفيذ مشاريع تطوير إلى 110 آلاف برميل. وتظل المصفاة من النقاط المحورية في تأمين الوقود لشمال غرب البلاد.
وسابعاً مصفاة نفط شيراز، التي تأسّست عام 1973 في مدينة شيراز جنوبي البلاد، وتبلغ طاقتها الحالية 60 ألف برميل يومياً، بعد أن كانت مصمّمة مبدئياً لسعة 40 ألف برميل يومياً، وقد ارتفعت بفضل التحديثات الفنية.
كذلك، هناك مصفاة نفط لاوان، التي أنشئت عام 1976 في محافظة هرمزغان المطلة على الخليج جنوب إيران، وتبلغ الطاقة الإسمية لها 50 ألف برميل يومياً، فيما تبلغ الطاقة التشغيلية 55 ألف برميل يومياً.
وفي الترتيب التاسع من حيث الطاقة الإنتاجية، تأتي مصفاة نفط كرمانشاه، التي تقع في محافظة كرمانشاه غرب البلاد بالقرب من الحدود العراقية، وتُعرف بكونها أصغر وحدة تكرير في إيران بطاقة 25 ألف برميل يومياً، وتأسّست المصفاة عام 1922، بسعة ابتدائية بألفي برميل يومياً.
بالإضافة إلى المصافي آنفة الذكر تمتلك إيران مصفاة المكثفات الغازية "ستارة الخليج الفارسي"، التي تأسّست عام 2006 جنوبي إيران، وتبلغ طاقتها الإنتاجية الحالية 455 ألف برميل يومياً. وتلعب دوراً مهماً في إنتاج المشتقات النفطية محلياً، إذ تنتج يومياً 35 مليون لتر بنزين (أوكتان 95)، و14 مليون لتر ديزل، وأربعة ملايين لتر غاز مُسال، وثلاثة ملايين لتر وقود طائرات، و130 طناً من الكبريت.
أنابيب النفط الإسرائيلية في مرمى صواريخ إيران
وبينما تعتبر إسرائيل أن مصافي النفط والغاز الإيرانية بنوكَ أهداف حيوية بالنسبة لها، فإنّ إيران تضع مرافق الطاقة الحيوية في إسرائيل، في مرمى الاستهداف وهو ما تجلّى باستهداف خطوط أنابيب في حيفا شمالي فلسطين المحتلة على ساحل البحر المتوسط، وأعلنت شركة مصافي النفط الإسرائيلية، أمس الأحد، تضرّر خطوط أنابيب في حيفا جراء الضربات الصاروخية الإيرانية، وقالت الشركة في بيان أرسلته إلى بورصة تل أبيب، إنه "نتيجة الهجوم الصاروخي على شمال البلاد خلال نهاية الأسبوع، تضرّرت موضعياً خطوط أنابيب ونقل بين منشآت داخل مجمع بازان"، حسب ما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.
وأضافت الشركة أنه حتى صدور بيانها، ظهر الأحد، "لا تزال منشآت التكرير في المجمع تواصل العمل، في حين جرى إيقاف بعض المنشآت الثانوية (لم تحدّدها)". وعموماً تفرض تل أبيب قيوداً شديدة على عمليات الإبلاغ عن الأضرار المادية أو البشرية جراء الضربات الإيرانية، وذكرت الشركة في بيانها أنها تفحص تأثير الهجمات على نشاطها، وطريقة وتوقيت إعادة المنشآت الثانوية للعمل، بما في ذلك تداعيات الضّرر على نتائجها المالية.
ومنذ سنوات، يهدّد الإيرانيون بضرب منشآت البنية التحتية الاستراتيجية في إسرائيل، وتُعد منطقة خليج حيفا أحد الأهداف البارزة بالنسبة لإيران، وفق الصحيفة. وتراجعت أسهم الشركة في بورصة تل أبيب بنسبة 2.8% بعد نشر البيان.
وبينما تقع مصافي النفط الإيرانية في مناطق مترامية الأطراف من الدولة شاسعة المساحة التي تبلغ نحو 1.64 مليون كيلومتر مربع، فإن منشآت الطاقة الحيوية تتركز في مناطق محدّدة في إسرائيل، لا سيّما في حيفا. ويوجد في حيفا ثاني أكبر مصفاة لتكرير النفط في إسرائيل، تقوم عليها صناعات كيميائية ضخمة، ومصانع كبرى متخصصة في إنتاج المواد الكيميائية، وتنشط بها كثير من الصناعات وحركة التجارة من خلال شبكة طرق وسكك حديد. وحيفا مركز نقل حيوي، ما يجعلها مدينة استراتيجية تؤثر على اقتصاد إسرائيل بأكمله، وتعتبر المدينة من أهم المراكز لصناعة الطاقة والسلاح والأسمدة والأمونيا، كما أن بها محطة كهرباء ضخمة.
مخاوف من تكرار سيناريو مرفأ بيروت في حيفا
وتسيطر منذ سنوات مخاوف واسعة عدّة على الإسرائيليين من حدوث "كارثة" في ميناء حيفا، على غرار ما حدث في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب 2020، والذي أودى بحياة 215 شخصاً وإصابة نحو 6500، وأضرّ بقرابة 50 ألف وحدة سكنية، وقُدرت خسائره المادية بنحو 15 مليار دولار، وفي إبريل/ نيسان 2021 أوصت لجنة حكومية بإخلاء مصانع البتروكيميائيات في خليج حيفا بغضون عشر سنوات.
وكما مثلت حيفا نقطة قوية للاحتلال وأسواقه وصناعته، ورئة حيوية لتجارته الخارجية وصادراته طوال السنوات الماضية، يمكن أن تتحوّل إلى نقطة ضعف في حال استمرار الضربات المتبادلة، وتكثيف الهجمات الصاروخية الإيرانية على المدينة،
وخلال الحرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، تصاعدت المخاوف الإسرائيلية من أن تطاول صواريخ حزب الله آنذاك ميناء حيفا، الذي يمثل البوابة البحرية الرئيسية التي تربط التجارة الإسرائيلية بالعالم، ما يهدّد إمدادات السلع الأساسية للكيان المحتل، ما دعا حكومة الاحتلال إلى وضع خطة بديلة تقوم على استخدام موانئ دولة مجاورة لم يُكشف عنها، في حال توقفت 70% من سفن الشحن البحري من التوجه إلى دولة الاحتلال. وحذرت صحيفة كالكاليست الإسرائيلية، في تقرير لها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من تداعيات فقدان إسرائيل القدرة على استيراد الأغلبية الساحقة من السلع الحيوية في حال جرى استهداف ميناء حيفا، مشيرة إلى أن ميناء أشدود، ثاني أكبر ميناء (على البحر المتوسط)، لا يمكن أن يشكل بديلاً عن ميناء حيفا بسبب محدودية قدرته على استيعاب الحاويات، ما يفضي إلى تأخير كبير في استيعابها، ويؤدي إلى نقص في المواد الأساسية، لا سيّما المواد الغذائية.
والميناء هو الرئيسي في إسرائيل، إذ يمرّ ما يقرب من 30 مليون طن من البضائع عبره سنوياً، أكثر من أي ميناء آخر في إسرائيل، وفق الموقع الإلكتروني للميناء. وتستخدم إسرائيل موانئها البحرية، في تصدير واستيراد أكثر من 99% من بضائعها والمشتقات النفطية، لكن ميناء حيفا تحديداً يتمتع بموقع استراتيجي؛ لأنّه يشكل مدخلاً بحرياً لشرق البحر المتوسط، ومحطة دائمة للأسطول السادس الأميركي، وقرب مقرّ البحرية الإسرائيلية.
