نموذج تشاركي لتحديد أولويات الخدمات المحلية في السويداء
عربي
منذ 9 ساعات
مشاركة

شهدت قرى وبلدات محافظة السويداء، الجمعة الماضية، سلسلة من اللقاءات التشاورية، لإعادة صياغة علاقة المجتمع المحلي بمفهوم الخدمات الأساسية، في حدث رعته منظمة "السويداء المستدامة- سوريانا".

في قرية دوما، جلس 45 مشاركاً من مختلف الشرائح المجتمعية حول طاولات عمل يقودها ميسرون مدربون، لطرح مشكلات المجتمع المحلي، ومناقشة سبل التعامل معها، خصوصاً في مجال تقديم الخدمات الأساسية.
ويصف مدير مدرسة دوما ومنسق اللقاء، حسين حمزة، التجربة بأنها "مثمرة ومبشرة بالخير لسبب جوهري، فلأول مرة نتحول من ثقافة الشكوى إلى ثقافة البحث عن الأولويات في الاحتياجات المجتمعية، وحصر الموارد المتاحة، وتحديد التحديات والعوائق البنيوية، ثم طرح الحلول العملية القابلة للتنفيذ". 
من مدينة شهبا، تقول شروق أبو زيدان التي أشرفت على اللقاء، لـ"العربي الجديد": "هدفنا تحويل المجتمع من متلقٍ سلبي إلى شريك فعلي في التخطيط والرقابة، والشعور بالتملك تجلى في تعليقات المشاركين، حيث رأى المشاركون أن التجربة كسرت حاجز الصمت بين الأهالي والمنظمات، وعبرت سيدة من السويداء عن سعادتها لأن صوت الريفيات أخيراً يُسمع في قضايا كانت تناقش في الغرف المغلقة".
ويقول المشارك في اللقاءات التشاورية، علي الحسين، لـ "العربي الجديد": "انطلقت الفكرة من حقيقة تراجع دور القطاع العام في تقديم الخدمات، وغياب القطاع الخاص عن الخدمات الحيوية التي لا تحقق أرباحاً، ليبرز دور منظمة (السويداء المستدامة) التي ترى في هذه المبادرة جسراً بين العمل التطوعي والإدارة المحلية، ومن ذلك مشروع الاستشفاء المنزلي في الريف".


وبدأ مشروع "الاستشفاء المنزلي في الريف" في قرية المجيمر في إبريل/نيسان 2023، ثم تحول إلى شبكة تضم 34 فريقاً طبياً تغطي 51 قرية، وتخدم ما يزيد عن 185 ألف نسمة، عبر التطوع نصف المأجور من قبل الكادر الطبي، وقد قدم خدماته لـ5.828 حالة، مع تغطية الأدوية.  
يقول المشارك في المشروع، مزيد نرش، لـ "العربي الجديد": "سر النجاح يكمن في التصميم الذكي للآليات، فإنشاء الفرق الصحية بدأ بدراسة واقع كل قرية، ثم تشكيل فرق محلية من كوادر مشهود لها بالكفاءة، يتبعها تدريب مكثف، وتزويد بحقائب إسعافية، مع نظام مراقبة دقيق يتضمن تقييماً مستمراً للأداء".

ويشير علي الحسين، إلى أن "آلية العمل اليومية للفرق الطبية التي أنشأتها المنظمة تظهر براعة التنظيم، فعند اتصال المريض يُجري الكادر تقييماً أولياً، ثم تتحرك فرق الزيارة المنزلية إذا لزم الأمر، ويتواصل الطبيب المشرف عن بعد مع الكادر والمريض، ويحدد خطة العلاج، بينما توفر الصيدلية المحلية الأدوية بدعم يتراوح بين 40 إلى 100% حسب وضع المريض المادي، فضلاً عن نظام الإقراض الطبي الذي يوفر أجهزة مثل أسطوانات الأوكسجين بالمجان".

بدوره، يقول البروفيسور مجد الغطريف، وهو أحد مؤسسي منظمة السويداء المستدامة لـ"العربي الجديد": "نسعى إلى تحويل العمل التطوعي إلى بديل مستدام لتقديم الخدمات المحلية بالتكامل مع القطاع العام المُنهك، وبدأنا بخدمات أساسية مثل الاستشفاء المنزلي في الريف، وهو نموذج لثغرات لا يملؤها القطاع الخاص لغياب الجدوى المالية. جوهر مشروعنا هو بناء منصة مؤسساتية على مستوى البلديات، وتحويلها إلى رافعة حقيقية للحوكمة المحلية، ونهدف لتمكين الإدارات المحلية من تشغيل هذه الخدمات وإدارتها، مع ضمان تمويل مجتمعي يكمّل الدعم المركزي".

يضيف الغطريف: "الجلسات التشاورية لم تكن استعراضية، بل عملية تشخيص عميقة لتوسيع نطاق الخدمات وفق أولويات المجتمعات المحلية. الأهم أن نكشف العوائق الحكومية والتشريعية والأمنية والإجرائية التي تعطل تقديم الخدمات، كي نبني الحلول على حقائق الميدان لا الافتراضات".

يتابع: "المبادرة تعمل في إطار قانوني عبر مذكرة تفاهم مع (مشيخة العقل)، مع الحفاظ على الطابع غير السياسي وغير الديني. هذا التوازن الدقيق يعد إنجازاً بحد ذاته في ظل الظروف السورية المعقدة". ويرى أن "القيمة الأهم للمشروع تكمن في بناء ثقافة تشاركية بديلة عن النموذج المركزي التقليدي، وتوثيق التجربة سيكون إرثاً لكل المجتمعات التي تعيش ظروفاً مشابهة. تبقى هذه التجربة نموذجاً على أن إرادة التغيير قادرة على اختراق أكثر الظروف تعقيداً".
ويوضح الناشط المهتم بقضايا الحوكمة، هاني عزام، لـ "العربي الجديد"، أن "التحدي الأكبر كان بناء نموذج يتجاوز الانقسامات من دون الاصطدام بالواقع التشريعي. القيمة الحقيقية تكمن في تحويل المساعدات الإنسانية من إغاثة إلى تنمية مستدامة، والخطوة الأفضل تأتي ضمن نموذج المماثلة التمويلية، حيث تقدم المنظمة مبلغاً يوازي ما يجمعه مغتربو القرى لخلق دورة تمويل ذاتية، وهذا نادر في العمل الإغاثي السوري. المشروع يخلق ثلاث طبقات للتمكين، الأولى تقنية تدريب الكوادر، والثانية بناء صناديق قادرة على الإدارة المالية، والثالثة إشراك السكان في الرقابة".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية