هل نجحت ضربات نتنياهو في تدمير البرنامج النووي الإيراني؟
تقارير وتحليلات
منذ 21 ساعة
مشاركة

بعد عقود من الاستعدادات والتحذيرات، شنّ الاحتلال الإسرائيلي هجوماً موسعاً على إيران، ولكن بعد ساعات، بدأت تتضح أن أجزاء كبيرة من البرنامج النووي الإيراني لا تزال قائمة حتى كتابة هذا التقرير، ما يشير إلى إخفاق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في التخلص من النووي الإيراني.

صحيفة “نيويورك تايمز” أشارت في تقرير لها إلى أن إسرائيل ألحقت أضراراً بالغة بأحد أهم المواقع النووية الإيرانية، وأودت بحياة عدد كبير من المسؤولين العسكريين والنوويين في الهجمات التي شنتها صباح الجمعة 13 يونيو/حزيران 2025، ولكن الهجوم الإسرائيلي لم يطل منشآت نووية حيوية في البلاد.

ولم تشنّ المقاتلات الإسرائيلية في موجتها الأولى هجمات على المفاعل النووي في أصفهان، رغم أنه يُعدّ أكبر المواقع النووية في البلاد، وكذلك أحد مراكز برامج أبحاث الأسلحة السرية الإيرانية، وفقاً لأجهزة الاستخبارات الغربية.

الجيش الإسرائيلي أصدر بياناً صحفياً، أفاد بأنه في موجة ثانية من الهجمات، استهدفت أصفهان، لكنها لم تستهدف مخزون الوقود، بل ركزت على المختبرات التي تعمل على تحويل غاز اليورانيوم إلى معدن، وهي إحدى المراحل الأخيرة في صنع سلاح نووي، لكنه لم يذكر شيئاً عن قصف المنطقة التي يُخزَّن فيها الوقود نفسه، بحسب الصحيفة الأمريكية.

ضربات محدودة

فيما نقلت وكالة رويترز عن خبراء راجعوا صور الأقمار الصناعية المتاحة تجارياً، أن الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية نتيجة الموجة الأولى من الضربات الجوية الإسرائيلية، محدودة على ما يبدو.

وقال الخبير النووي ديفيد ألبرايت من معهد العلوم والأمن الدولي لوكالة رويترز: “كان اليوم الأول يستهدف أموراً يمكن تحقيقها من خلال المفاجأة؛ اغتيال القيادات، وملاحقة العلماء النوويين، وأنظمة الدفاع الجوي، والقدرة على الرد”.

وأضاف: “لا يمكننا رؤية أي أضرار ظاهرة في فوردو أو أصفهان. وهناك أضرار في نطنز”، لكنه استدرك قائلاً: “لا يوجد دليل على تدمير الموقع الموجود تحت الأرض”.

منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم على بعد 250 كيلومترا جنوب العاصمة الإيرانية طهران، 30 مارس 2005/ رويترز
منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم على بعد 250 كيلومترا جنوب العاصمة الإيرانية طهران، 30 مارس 2005/ رويترز

هل نجح نتنياهو في تدمير البرنامج النووي الإيراني؟

وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تراقب النشاط النووي الإيراني، لم تستهدف إسرائيل موقعي بوشهر وأصفهان النوويين، كما لم يُؤكد استهداف منشأتي آراك وفوردو.

يُعدّ موقع فوردو، الواقع في مدينة قم المقدسة، أحد أكثر المواقع الإيرانية سريةً وتحصيناً، ويُزعم أنه اختير لحمايته من الغارات الجوية، وهو منشأة تخصيب اليورانيوم الرئيسية في إيران، ويشكّل مصدر قلق كبير لإسرائيل والغرب.

والمنشأة الوحيدة التي أعلنت إسرائيل استهدافها هي “نطنز”، وتقول إيران إن أضراراً بسيطة فقط لحقت بها.

ونقلت “نيويورك تايمز” عن خبراء قولهم إن تجنب أصفهان من الجيش الإسرائيلي كان خياراً متعمداً.

وقال جون وولفستال من اتحاد العلماء الأمريكيين، الذي يتابع التقدم النووي الإيراني عن كثب، إن التجنب الإسرائيلي قد يكون سببه أن نتنياهو كان قلقاً من أن القصف قد يتسبب في وقوع حادث إشعاعي، مما يحول محطة أصفهان إلى “قنبلة قذرة”.

أما التفسير الآخر، فهو اعتقاد المسؤولين الإسرائيليين بقدرتهم على منع الإيرانيين من زيادة تخصيب المخزون إلى مستويات صالحة لصنع القنابل (90%).

أما التفسير الثالث، فهو أن عمق المفاعل النووي في فوردو يبلغ نصف ميل، مما يجعله على الأرجح محصناً من أسلحة إسرائيل الخارقة للتحصينات، ويتطلب ذلك مشاركة أمريكية باستخدام القنبلة العملاقة الخارقة للتحصينات.

وفي تحليل سابق لصحيفة “فايننشال تايمز“، فإن هناك سلاحاً تقليدياً واحداً فقط قادراً على القيام بهذه المهمة، وهو القنبلة العملاقة الموجهة بدقة “جي بي يو 57″، ويبلغ طول هذه القنبلة العملاقة نحو 6 أمتار، وتزن 30 ألف رطل، ويمكن أن تخترق 60 متراً من الأرض قبل أن تنفجر.

مقاتلات إسرائيلية شاركت في الهجوم على إيران/ رويترز
مقاتلات إسرائيلية شاركت في الهجوم على إيران/ رويترز

ومن غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل تمتلك مثل هذه القدرات، ويقول الباحث السابق في وزارة الجيش الإسرائيلية إيهود إيلام، إنه حتى لو تمكنت إسرائيل من الحصول على القنبلة الخارقة للدروع، فإن “طائراتها المقاتلة من طراز إف-15 وإف-16 وإف-35 لن تتمكن من حملها”.

ولكن حتى القنبلة GBU-57 قد لا تكون كافية لتدمير المنشآت النووية. فقد أشارت دراسة أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مؤسسة بحثية أمريكية، في عام 2010 إلى أن بعض الخبراء يعتقدون أن الأسلحة النووية هي “الأسلحة الوحيدة القادرة على تدمير الأهداف في أعماق الأرض أو في الأنفاق”.

ومن الناحية النظرية، يمكن لإسرائيل بدلاً من ذلك استخدام واحدة من طائرات النقل C-130J هيركوليز لإسقاط قنبلة خارقة للدروع من أبواب الشحن، وهي عملية معقدة تُعرف باسم “إسقاط المنحدر”، ولكن القنبلة الخارقة للدروع ليست مصممة لهذا النوع من الإسقاط.

وترى مجلة “إيكونوميست” البريطانية أن إسرائيل ستحتاج إلى قوات برية أو مساعدة أمريكية لتعطيل البرنامج النووي الإيراني.

ويقول العميد احتياط يوسي كوبرفاسر، وهو رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن، والرئيس السابق لقسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، إن العملية العسكرية الحالية قد تُعيد البرنامج النووي الإيراني عقوداً إلى الوراء، إلى ما كان عليه قبل تطلعاته العسكرية في التسعينيات، ومع ذلك، حذّر من أنها لن تتمكن على الأرجح من القضاء على البرنامج أو بنيته التحتية بالكامل.

وقال كوبرفاسر لصحيفة “ميديا لاين”: “من الصعب جداً محو المعلومات المُكتسبة، الإيرانيون بارعون في بناء أجهزة الطرد المركزي وغيرها من المكونات النووية، الشيء الوحيد الذي يمكنه إيقاف البرنامج النووي هو استمرار الجهود العسكرية أو تغيير النظام في إيران”.

كما أكد الباحث في برنامج إيران والمحور الشيعي في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، داني سيترينوفيتش، أن “الافتراض السائد هو أن إسرائيل لا تستطيع تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل، بل صده لعدة سنوات”.

وهذا ما أكدته سيما شاين، كبيرة المحللين السابقة في جهاز المخابرات (الموساد) والباحثة الآن في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، للصحفيين أمس الجمعة، بقولها: “ربما لا تستطيع إسرائيل القضاء على المشروع النووي بالكامل بمفردها دون مشاركة الولايات المتحدة”.

لماذا قد يكون هجوم نتنياهو على إيران “مقامرة”؟

تقول مجلة “إيكونوميست” إن الهجوم الإسرائيلي على إيران قد يكون “مقامرة” نظراً لتداعياته الإقليمية والعالمية المحتملة.

ويشير الرد الإيراني باستهداف دولة الاحتلال، وخاصة تل أبيب، بمئات الصواريخ الباليستية، إلى أن إيران لا تزال قادرة على إلحاق ضرر كبير بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية حول العالم.

ورأت المجلة البريطانية، أنه إذا تطور هذا الوضع إلى حرب إقليمية، فقد تكون هناك عواقب وخيمة على الاستقرار، وعلى بقية العالم من خلال أسعار النفط.

ورأت المجلة أن انهيار النظام الإيراني، على الرغم من كرهه الشديد داخل البلاد وفي المنطقة، قد يكون مزعزعاً للاستقرار إلى حد كبير، ولا أحد يستطيع التنبؤ بما قد ينشأ عن هذه الفوضى.

وحتى لو تم تدمير البنية التحتية المادية للبرنامج النووي الإيراني، فإن إيران لديها رواسبها الخاصة من اليورانيوم، وفي العقود القليلة الماضية، أتقنت عملية التخصيب.

يتصاعد الدخان من مبنى تضرر جراء هجوم صاروخي باليستي إيراني في تل أبيب/ رويترز
يتصاعد الدخان من مبنى تضرر جراء هجوم صاروخي باليستي إيراني في تل أبيب/ رويترز

أما الجيولوجيا والمعرفة، فهما بعيدان عن متناول حتى القنابل الأمريكية، وإذا استؤنف البرنامج الإيراني، فقد يعود أكثر ضراوة وتهديداً من أي وقت مضى، بحسب المجلة.

لذا، يُتوقع أن تضطر إسرائيل، وربما أمريكا، خلال بضع سنوات، إلى تكرار العملية من جديد. وستكون كل مرة أصعب من سابقتها.

وحتى في عالمٍ تنهار فيه القواعد القديمة، فإن تكرار الغارات الجوية المنتظمة على دولة ذات سيادة سيُكلفها ثمناً دبلوماسياً وسياسياً باهظاً. وفي نهاية المطاف، قد تُرهق الضربات المتكررة صبر أمريكا وتُلهب الرأي العام هناك، مما يُلحق ضرراً طويل الأمد بالتحالف مع أمريكا الذي تعتمد عليه إسرائيل.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية