أنظار غزّة والعالم إلى مصر
عربي
منذ 15 ساعة
مشاركة

يتطلّع أنصار العدالة والسلام بثقة (وأمل) إلى موجات القوافل الإنسانية التي تتوجّه إلى الحدود مع قطاع غزّة الفلسطيني، بعد التنسيق الواجب مع السلطات المصرية ونيل الموافقات المتوقّعة، وذلك من أجل كسر الجمود القاتل في محادثات وقف إطلاق النار، والتأشير إلى الأهمية الحاسمة لوقف حرب الإبادة، وتمكين سائقي نحو ثلاثة آلاف شاحنة من العبور إلى داخل القطاع، لوضع حدّ لحرب التجويع وحرب منع الوصول إلى الدواء والماء، وهي سلسلة حروب مشينة ومتوحّشة تثقل الضمير الإنساني والعالمي.

تهدف القوافل، ومنها قافلة الصمود، التي تمثّل الدول والشعوب الشقيقة في شمالي أفريقيا، وكذلك قافلة التضامن العالمية، التي تمثّل هيئات حقوقية وإنسانية ومنظّمات مجتمع مدني تتبع 80 دولة، إلى ممارسة ضغط معنوي هائل وطويل الأمد على سلطة الاحتلال، التي تتصرّف بغطرسة بدائية ضاربة بعُرْض الحائط كلّ المواثيق والأعراف التي تواضعت عليها البشرية، وتجد تجسيداً لها في منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها وهيئاتها ومنظّمات الصليب والهلال الأحمر ومنظّمات أطباء بلا حدود وغيرها من هيئات تحظى بأكبر احترام دولي، لما تبذله من جهود جبّارة وناجعة لإنقاذ الأرواح في مناطق النزاعات. ويقينا أن أبناء غزّة، بعدما حاقت بهم الكوارث من كلّ صنف ولون، باتوا يتطلّعون إلى مبادراتٍ إنقاذيةٍ من أي مصدر، ويروْن في معبر رفح عند الحدود مع الشقيقة الكُبرى مصر بوابة الأمل التي طال إغلاقها والتحكّم المنفرد بها، من الاحتلال الغاشم الذي لا يكتم مشروعه لإدامة حرب الإبادة بحقّهم، وسط تواطؤ أميركي سافر، كان من جديد حلقاته خطّة المساعدات التي أريد بها كما دلّت الوقائع التسبّب بمزيد من التجويع والقتل الجماعي، ممّا يندى له جبين كلّ إنسان سويّ، وفي سلوك متوحّش يعيد إلى الأذهان وقائع إبادة الأقوام الأصلية قبل قرون.

مصر بالنسبة لأهل غزة هي بوابة الأمل التي طال إغلاقها والتحكّم المنفرد بها، من الاحتلال الغاشم الذي لا يكتم مشروعه لإدامة حرب الإبادة بحقّهم

ولن تجد مصر أيَّ حرج في تيسير عبور القوافل وتأمين وصولها إلى نقاط الحدود، مع التزام المنظّمين بطبيعة الحال بمسارات محدّدة والالتزام بأهداف هذه المسيرات، وعدم الخروج عنها. وسبق أن سمحت القاهرة (أعاد بيان للخارجية المصرية التذكير به) لوفود أوروبية وأممية بالوصول إلى نقطة الحدود، وبثّ رسائل سياسية قوية من هناك، تدين بصورة قاطعة الحرب المفتوحة ضدّ المدنيين، وضدّ مصادر الحياة ومواردها. مع الأخذ في الاعتبار أن الناشطين المتطوّعين في هذه القوافل يمثّلون أنفسهم وشرائح مجتمعاتهم، ولا يمثّلون حكومات بلدانهم، وأن هؤلاء المبادرين ينشطون بدواعٍ إنسانية وأخلاقية من غير الانضواء في جهة سياسية أو حزبية أو أيديولوجية، وأنهم يتجشّمون العناء من أجل أن يتشاركوا المعاناة ولو بالنزر اليسير مع مليوني غزّي، ومن أجل منح هؤلاء أسباب الأمل، بعد طول تجاهلٍ لهم، وفي سبيل تكثيف الضغوط لوقف الحرب الغاشمة وفتح الباب أمام تدفّق المساعدات بغير توقّف.

ومن الجلي أن الوضع في غزّة مسألة قائمة بذاتها، تستصرخ الضمير البشري، وتتطلّب حلولاً عاجلةً وشافيةً، وغير قابلة للربط المفتعل بينها وبين تطوّرات الإقليم، لتسويغ إدامتها وصرف الأنظار عنها، ومنح مجرمي الحرب مزيداً من الفرص لاستكمال حربهم، التي لا تعدو أن تكون مظهراً متطرّفاً من إرهاب الدولة، وأيّاً كانت التطورات في جبهة ايران أو سواها، فإن ذلك ينبغي ألّا يطمس خصوصية الكارثة في غزّة، ووجوب وقفها في أقرب الآجال، وتوجيه أشكال الضغط المشروع لفتح بوابة رفح، وتأمين وصول سائقي شاحنات الإغاثة وفرق الأطبّاء والمسعفين، والضغط خلال ذلك على "المجتمع الدولي"، ممثّلاً بأميركا لوقف الحرب التي وعد دونالد ترامب بوقفها غير مرّة، لكنّه لم ينجح في الوفاء بوعوده، ما تسبّب (ويتسبّب) يومياً بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين، وحتى تحوّل القطاع مقبرةً شاسعةً بلا شواهد تحفّ بها الأنقاض والركام.

الوضع في غزّة مسألة قائمة بذاتها غير قابلة للربط المفتعل مع تطوّرات الإقليم، ويجب وقفها في أقرب الآجال

ومن الطبيعي ألا يتحوّل استقبال القوافل وتأمين وصولها مناسبةً للجدل غير المفيد، وألا تصبح منابر التواصل الاجتماعي منصّةً لتحديد المفيد والضار، والمسموح والممنوع، إذ إن مصر الرسمية ممثّلة بمؤسّساتها وهيئاتها ومراكز صنع القرار فيها، في المقام الأول هي الجهة المؤتمنة على أن تحقّق قوافل التضامن العالمية أهدافها النبيلة، مع إسناد الهيئات التمثيلية من أحزاب وجمعيات ونقابات وسواها، من أجل أن يحقق هذا الحدث الغاية المتوخّاة منه، ومن أجل أن يضيء اسم مصر في سائر بقاع الأرض، باعتبارها عنواناً لصيانة الأمن الجماعي العربي، ومنع قوى غاشمة من تهديده واستباحته، وباعتبار مصر بوابة للتضامن الإنساني الفعّال مع أهل غزّة المكلومين، وضدّ تصفية قضية فلسطين. ومن هنا، فإن الأمل كبير بأن تتضافر الجهود لإنجاح هذه المبادرة العالمية، وستكون مصر حُكماً طرفاً فيها، باعتبارها البلد المضيف والمُسِّهل لمبادرة تضمّ أبناء 80 دولة في الشرق والغرب، ممّا يُنتظر معه خفض الإجراءات البيروقراطية في إطار من احترام القانون والنظام العام، مقروناً بتسهيلات لوجستية، إذ إن مبادرةً عالمية بهذا الحجم قلّما تحدث، ومن الطبيعي منحها كلّ فرص النجاح، فأرواح آلاف البشر الأبرياء تستحقّ دعم المبادرات لإنقاذها، وذلك بعد أن فاقت الكارثة كلّ الحدود، وتجاوزت سائر المستويات التي يمكن معها التريّث والتأجيل، وقد توافد الناشطون يحدوهم الأمل أن تتيسّر مهمتهم الإنقاذية، وأن لا تقف في وجهها (لا سمح الله!) معوّقات متوقّعة أو مفاجئة.

وبعد أن عمدت سلطات الاحتلال إلى ممارسة القرصنة والسيطرة على سفينة التضامن مادلين، فإن فرصة التخريب الإسرائيلي لن تكون متاحةً هذه المرّة إزاء قوافل التضامن العالمية، التي (كما هو مُنتظر) ستحتضنها مصر في أرضها وتحت سمائها، وبحماية سلطات إنفاذ القانون، وبمتابعة اعلامية كثيفة، من طرف أعداد لا تُحصى من أنصار العدالة والسلام، ومن أصحاب الضمير، الذين غايتهم جميعاً احترام حقّ الحياة، المقدّس لجميع البشر، ومن ضمن هؤلاء أبناء غزّة، وحرمان مجرمي الحرب من المواظبة على القتل، والانتقال إلى الحلّ السياسي ممثلاً بالخطّة المصرية العربية، وهي الخطّة الواقعية والموضوعية القابلة للتحقيق وواجبة التنفيذ.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية