
عادت ظاهرة الاعتداء على الطواقم الطبية والمنشآت الصحية في مصر بعد تراجعها لفترة، رغم إقرار قانون المسؤولية الطبية في نهاية مارس/آذار الماضي. وأثرت الظاهرة التي تكررت خلال السنوات الماضية سلباً على بيئة العمل في القطاع الصحي، كما أثارت قلقاً بشأن سلامة الأطباء ومدى قدرتهم على أداء مهامهم.
وتصدرت الظاهرة النقاش العام خلال الأسبوع الماضي بعد تعرض طبيب لاعتداء جسدي في محافظة قنا، عقب رفضه استقبال حالة طارئة تعاني من التهاب في المرارة داخل عيادته الخاصة، مؤكداً ضرورة نقل المريض إلى مستشفى مجهز.
وتضامنت النقابة العامة للأطباء في مصر مع موقف الطبيب المعتدى عليه، مؤكدة ضرورة تطبيق المعايير الطبية، وأنه وفقاً للأصول والمعايير المعتمدة، لا يجوز للطبيب تقديم خدمات طبية طارئة داخل عيادته الخاصة. وأشارت إلى أن ذلك من اختصاص أقسام الطوارئ بالمستشفيات التي تمتلك التجهيزات والإمكانات اللازمة للتعامل مع الحالات الحرجة. وشددت النقابة على أن محاولة إجبار الطبيب على التدخل في ظروف غير مناسبة طبياً قد يعرّض المريض للخطر ويفاقم حالته الصحية، وأن المسؤولية في مثل هذه الحالات تقع على من أهمل في سرعة نقل المريض إلى أقرب مستشفى، وليس على الطبيب الذي التزم بما تقتضيه القواعد الطبية.
واعتبرت النقابة تحميل الطبيب المسؤولية في غير بيئة الطوارئ افتئاتاً على العلم والمنطق، ومخالفة صريحة لأبجديات الطب. وناشدت وسائل الإعلام المختلفة ورواد مواقع التواصل الاجتماعي تحري الدقة والتثبت من المعلومات قبل النشر، احتراماً لخصوصية الوقائع ولحماية الأطراف كافة من التشهير أو التناول غير المهني. كما جددت نقابة الأطباء مطالبتها كافة الجهات المعنية بضرورة حماية المنشآت الطبية وتطبيق العقوبات التي أقرتها القوانين المصرية حال وقوع أي اعتداء على الطبيب أو أي منشأة طبية. وأكدت أن تنفيذ هذه القوانين بجدية وكفاءة كفيل بإنهاء ظاهرة الاعتداء على المنشآت الطبية. كما دعت المواطنين إلى التوجه مباشرة إلى أقرب مستشفى في حال وجود طارئ صحي حفاظاً على سلامة المرضى وسرعة حصولهم على الرعاية المناسبة. مؤكدة أنها ستتخذ كافة الإجراءات القانونية ضد كل من يقوم بنشر أو الترويج لأي مواد أو منشورات من شأنها التشهير بالأطباء أو الإساءة إليهم أو إلى المؤسسات الطبية.
وكشفت دراسات وإحصائيات متعددة عن حجم المشكلة في مصر، وأشارت إلى أن معدلات العنف ضد العاملين في مجال الرعاية الصحية تعد من الأعلى في أفريقيا. وأشارت إحدى الدراسات إلى أن ما يقرب من 88% من الأطباء في مصر تعرضوا لإساءة لفظية، بينما واجه 42% منهم اعتداءً جسدياً، و13.2% تعرضوا للتحرش الجنسي.
وأفادت دراسة أخرى أن أكثر من 80% من الأطباء الذين شملتهم الدراسة تعرضوا لحادثة عنف واحدة على الأقل (لفظي أو جسدي أو كلاهما) خلال الـ12 شهراً السابقة للمسح. واتخذ 14.3% فقط من الأطباء الذين تعرضوا للعنف إجراءات قانونية. ووقعت غالبية حوادث العنف (68.4%) على يد أقارب المرضى، تلاهم المرضى أنفسهم (25.3%)، وزملاء العمل (6.3%). كما تركزت معظم حوادث العنف في أقسام الطوارئ (38.7%) تليها العيادات الخارجية وأقسام المرضى. وتضمنت الأسباب الرئيسية للعنف نقص المعدات الطبية وتكدس أقسام الطوارئ.
وفي ظل تزايد ظاهرة الاعتداء على الطواقم الطبية والمنشآت الصحية في مصر، والتي أصبحت مصدراً كبيراً لقلق الأطباء والمواطنين على حد سواء، برز قانون المسؤولية الطبية أحدَ أهم الأدوات التشريعية التي يعول عليها كثيرون، في محاولة للحد من هذه الظاهرة وتوفير بيئة عمل آمنة للعاملين في القطاع الصحي. هذا القانون، الذي طال انتظاره، يمثل خطوة مهمة نحو تنظيم العلاقة بين الأطباء والمرضى، وتحديد المسؤوليات، وتوفير حماية قانونية أكبر للطواقم الطبية.
وقد أُقر القانون بعد سنوات من النقاش والمراجعة، ويهدف بشكل أساسي إلى تنظيم الممارسات الطبية، وتحديد الأخطاء الطبية، ووضع آليات لتعويض المتضررين من هذه الأخطاء، مع توفير الحماية اللازمة للأطباء.
ويعول كثيرون على قانون المسؤولية الطبية للحد من ظاهرة الاعتداءات على الطواقم والمنشآت الصحية من جوانب عدة، أبرزها تحديد المسؤوليات وتخفيف الضغط، إذ يساهم القانون في تخفيف الضغط على الأطباء، خاصة في الحالات الطارئة التي تتطلب قرارات سريعة في ظروف صعبة، فعندما يدرك الجمهور أن هناك آليات قانونية واضحة للتعامل مع أي شكاوى، فإن ذلك قد يقلل من اللجوء إلى العنف أو التشهير.
ويشمل القانون تغليظ العقوبات، ويقر عقوبات رادعة لكل من يعتدي على الأطباء أو المنشآت الصحية، في رسالة واضحة بأن مثل هذه الأفعال لن تمر من دون عقاب، ما من شأنه أن يكون عامل ردع قوياً لمن يفكر في اللجوء إلى العنف. كما يستهدف القانون توفير بيئة عمل آمنة ليشعر الأطباء بالحماية القانونية، وأن هناك نظاماً يحمي حقوقهم ويحاسب المعتدين، ما يسهم في توفير بيئة عمل أكثر أماناً واستقراراً، ويعزز من قدرة الأطباء على أداء مهامهم بكفاءة من دون خوف من التعرض للاعتداء.
لكن رغم الآمال المعقودة على قانون المسؤولية الطبية، إلا أن هناك تحديات قد تواجه تطبيقه، أهمها الوعي القانوني، إذ يحتاج القانون إلى حملات توعية واسعة للجمهور والأطباء على حد سواء لفهم حقوقهم وواجباتهم بموجب القانون. بالإضافة إلى فعالية التطبيق، حيث يعتمد نجاح القانون بشكل كبير على كفاءة وفعالية الأجهزة المعنية بتطبيقه، سواء كانت جهات التحقيق أو اللجان الفنية أو المحاكم. وكذلك تغيير الثقافة المجتمعية، إذ يظل العنف ضد الأطباء ظاهرة مجتمعية تحتاج إلى تغيير في الثقافة العامة، ولا يقتصر على القانون وحده. يجب أن تترافق الإجراءات القانونية مع جهود توعية مجتمعية بأهمية احترام الأطباء وتقدير جهودهم.
