
بدأت الجاليات الجزائرية في مختلف دول العالم إعادة تنظيم نفسها في إطار جمعيات وتنظيمات مدنية وثقافية، مستفيدة من دعم حكومي، بعدما وضعت البلاد ضمن أبرز توجهاتها تنظيم الجالية للمساعدة في حصر المشاكل التي تعاني منها وحلها، وتعزيز ربطها بالوطن وقضاياه الراهنة، والاستفادة من الكوادر العلمية والثقافية في دعم الأفكار والمشاريع التنموية.
في 18 مايو/أيار الماضي، أطلقت الجالية الجزائرية في منطقة أومبريا، وسط إيطاليا، جمعية "آفاق" التي تعنى بتعزيز الروابط الاجتماعية، والنهوض بالثقافة والهوية، وتشجيع النشاطات الرياضية، وربط الجزائريين بوطنهم، وتعزيز التواصل والتنسيق مع المصالح القنصلية.
يقول رئيس جمعية آفاق، عبد الكريم بن وشان، إن "هناك تحركاً إيجابياً من قبل العديد من البعثات الديبلوماسية خلال السنوات الأخيرة، تنفيذاً لتوصيات الرئيس عبد المجيد تبون، والتي تعززت بزيارات الوزير المكلف بالجالية الجزائرية في الخارج، ولقائه العاملين في الجمعيات النشطة في الخارج وبقية أفراد الجالية". يضيف: "خلال السنوات الأخيرة، لمسنا تحسناً في أداء القنصلية وسعيها للتقرب من الجالية، إلا أن هذه الجهود لا تزال محدودة نسبياً، وتحتاج إلى المزيد من التفعيل والاستمرارية. مع ذلك، لا يمكن إنكار بعض الخطوات الإيجابية التي قامت بها، مثل تنظيم القنصليات المتنقلة، والمشاركة في نشاطات الجمعيات، وهي مبادرات نثمنها عالياً".
إلا أن عبد الكريم، وهو عضو مؤسس أيضاً في اتحاد الجمعيات الجزائرية في إيطاليا، يتحدث عن "بعض العراقيل التي تعيق إعادة تنظيم الجالية، منها ضعف التنسيق بين مكونات الجالية نفسها، وقلة الدعم اللوجستي والمؤسساتي، بالإضافة إلى غياب رؤية واضحة وطويلة الأمد تنطلق من إشراك فعلي للجالية في القرارات التي تخصها". ويشير إلى أن "تلبية مطالب الجالية المشروعة تُعد خطوة أولى وأساسية نحو إعادة بناء الثقة، وتحقيق انطلاقة جديدة في مسار تنظيمها وتفعيل دورها".
يضيف: "كان واضحاً وجود تحول سياسي مهم حيال الجاليات منذ اعتلاء الرئيس تبون السلطة في عام 2019، شمل الحرص على تنظيم لقاءات مع أعضاء الجاليات ونخبها في كل الدول، إضافة إلى حث الجاليات على تنظيم نفسها للاستفادة من كل ما يمكن أن يخدم مصالحها. لكن مبادرات تنظيم الجاليات الجزائرية في الخارج لا ترتبط بمسائل تخص معالجة مشاكل الجالية وإدماجها في قضايا البلاد فحسب، بل يشمل الأمر تحويلها إلى فاعل في التنمية، ومشارك في القضايا الاقتصادية، من خلال الاستفادة من الكوادر العلمية والاقتصادية الجزائرية في الخارج لصالح إعادة تأهيل الاقتصاد الوطني، وهو ما تعمل بعض الجمعيات الجزائرية التي تعنى بالجاليات على تكريسه بالتنسيق مع السلطات والمصالح الديبلوماسية، إذ ساهمت بعض الجمعيات الجزائرية في أنشطة اقتصادية وحملات دعم محلية".
من جهته، يؤكد رئيس جمعية الجزائريين الدولية، ومقرها مدينة إسطنبول التركية، إدريس ربوح، لـ "العربي الجديد"، أن الجاليات الجزائرية في الخارج يمكن أن تتحول إلى داعم رئيسي للتوجهات التنموية من خلال المساهمة في نقل التكنولوجيا والخبرات، وتحسين صورة الجزائر كوجهة استثمار، وغيرها من الأدوار الإيجابية التي يمكن أن تلعبها في حال تعزز تمثيلها وتنظيمها. مضيفاً أن "المبادرات القائمة بالغة الأهمية، وتحتاج إلى مزيد من التركيز والتوظيف الصحيح للكوادر والأدوات".
وفي ظل ارتفاع عدد الجمعيات الأهلية الجزائرية في العديد من البلدان، بدأ التفكير في وضع إطار استشاري يجمع هذه التنظيمات بهدف التنسيق أكثر إزاء القضايا والانشغالات المشتركة من جهة، وتبادل التجارب والخبرات، وتفعيل مراسيم ونصوص قانونية صدرت قبل سنوات، تتعلق بإنشاء مجلس استشاري للجالية يضم كوادرها ونخبها. وقد عقدت في الجزائر سلسلة لقاءات سابقة جمعت كوادر للتفكير في هذه الخطوة.
ومن إسبانيا، يرى رئيس الاتحاد العام للجزائريين في المهجر، سعيد بن رقية، أن الجالية الجزائرية في الخارج تحتاج إلى وضع إطار أشمل يتولى تنظيمها ومعالجة انشغالاتها. ويقول بن رقية لـ "العربي الجديد": "قبل عام 2019، كانت لدينا مطالبات واضحة بشأن تنظيم الجالية، واعتبرنا عدم التجاوب من السلطات المعنية بالجزائر في وقتها مرتبط بغياب الاستراتيجية والرؤية، لكننا نشهد خلال السنوات الأخيرة تبني صريح لسياسة واستراتيجية جديدة تتوافق مع تطلعات الجالية، خصوصاً تلك التي تتعلق بتوحيد صفوفها في إطار تنظيم دولي وهيئة وطنية استشارية للجالية تابعة مباشرة لرئاسة الجمهورية مثل المرصد الوطني المجتمع المدني".
