أهوار العراق... الجفاف يهدّد البيئة وسبل عيش السكان
عربي
منذ يومين
مشاركة

يطالب خبراء بيئيون بجهد حقيقي لإنقاذ منطقة الأهوار العراقية من خطر الجفاف الذي يهدّد سكانها والتنوع الحيوي فيها، كما يطاول بيئة المنطقة

تشهد الأهوار العراقية أزمة بيئية نتيجة الجفاف المتفاقم مع تراجع مستويات المياه؛ بسبب انخفاض الكميات التي تصلها من نهري دجلة والفرات، ما يخلف تهديداً مباشراً على التنوع الأحيائي والثروة السمكية، وتتزايد الدعوات إلى تحرك عاجل للحفاظ على منطقة الأهوار تراثاً بيئياً عالمياً، وحماية الأمن البيئي والغذائي الوطني، قبل أن تتحول إلى ذكرى من الماضي.

وسُجلت خلال الفترة الماضية خسائر كبيرة في الثروة السمكية، إضافة إلى تراجع قطعان الجاموس بنسبة تقارب 40%، ما يهدد النسيج الاجتماعي، ويدفع آلاف السكان إلى الهجرة، وبالتالي يعرض نمط الحياة في المنطقة إلى التبدل بالكامل. وفي احتجاج على ما تعانيه منطقة الأهوار، أحرق عدد من السكان منازلهم ومضايف مملوكة لهم، مؤخراً، للتعبير عن إحباطهم من فقدان نمط حياة يعود إلى آلاف السنين.

وتقع الأهوار في جنوبي العراق، وتضم ثلاث مناطق رئيسية، هي هور الحويزة شرق محافظة ميسان، وهور الحمّار بين محافظتي ذي قار والبصرة، وأهوار الوسط بين محافظتي ميسان وذي قار، وهي تمتد على مساحة تُقدّر بأكثر من 20 ألف كيلومتر مربع.

يقول رئيس تجمع "طبيعة العراق" (غير حكومي)، جاسم الأسدي، لـ"العربي الجديد"، إن "أهوار العراق تواجه اليوم واحدة من أخطر الأزمات البيئية في تاريخها، بعد تسعة أعوام على إدراجها محميةً طبيعية ضمن لائحة التراث العالمي، وذلك بسبب الجفاف غير المسبوق الذي تشهده، وتراجع المنسوب المائي، ما يؤدي إلى كارثة إنسانية وبيئية تتفاقم يوماً بعد آخر. عدد من السكان أقدموا على إحراق مضايفهم احتجاجاً على ما وصفوه بـ"سرقة الماء"، تعبيراً عن غضبهم من غياب الحلول الحكومية، ومن إمكانية فقدان نمط حياتهم الذي يمتد إلى آلاف السنين، ويعتمد على الماء والقصب والأسماك مصادر للهوية وسبيلاً للعيش.

يضيف الأسدي: "حرق المضايف لم يكن احتجاجاً عابراً، بل هو إعلان للغضب والحزن الناتج عن الإهمال الرسمي، الذي دفع السكان إلى هجر هويتهم، في تهديد حقيقي لانقراض نمط حياة فريد استمر لقرون. مساحة الأهوار تقلصت إلى نحو عشرة آلاف كيلومتر مربع بعد أن كانت تتجاوز 20 ألف كيلومتر مربع في مواسم الفيضانات، وهي بحاجة إلى 5.4 مليارات متر مكعب من المياه سنوياً لاستعادة التوازن البيئي".

ويلفت إلى وجود تلوث بيئي حاد نتيجة تصريف أكثر من 40 محطة صرف صحي مياهها في الأهوار، ما يؤدى إلى انتشار الأمراض، وتدهور جودة المياه، ويؤثر مباشرةً على البيئة والكائنات الحية، ويوضح: "فقدنا نحو 40% من قطعان الجاموس، وأكثر من 95% من الثروة السمكية، ما يعني انهيار مصدرين رئيسيَين للغذاء والدخل، وهذا تهديد للنسيج الاقتصادي والاجتماعي. هجرة السكان إلى خارج الأهوار نهائياً تشكل أخطر تهديد، وقد تؤدي إلى انقراض نمط الحياة كله، وانهيار الموروث الثقافي والبيئي".

وأكد الأسدي أن "ما يحدث لا يهدّد سكان الأهوار وحدهم، بل يمسّ الأمن البيئي والغذائي الوطني، لارتباط الأهوار بتوازن المناخ وتنوع الحياة البرية، كونها محمية طبيعية مدرجة على قائمة التراث العالمي، ما يفرض على الحكومة العراقية مسؤولية قانونية وأخلاقية للحفاظ عليها".

من جانبه، يقول مدير عام مركز إنعاش الأهوار والأراضي الرطبة التابع لوزارة الموارد المائية العراقية، حسين الكناني، إن الوزارة تواصل جهودها لمعالجة تداعيات الجفاف في مناطق الأهوار من خلال تنفيذ مشاريع استراتيجية تهدف إلى تحسين إدارة المياه وزيادة كفاءة توزيعها، ويؤكد أن "المفاوضات جارية بين العراق ودول الجوار، خصوصاً تركيا وإيران، بهدف تحسين واقع المياه، وزيادة الإطلاقات المائية، وهذه خطوات مهمة لضمان استدامة الأهوار، والحفاظ على النظام البيئي فيها".

ويضيف الكناني لـ"العربي الجديد"، أن "من بين الحلول التي يجري العمل عليها تبطين القنوات، وتنظيف الجداول والأنهار من الترسبات، إلى جانب تحسين التحكم بالإطلاقات المائية، مع إعطاء الأولوية لتأمين الاحتياجات الأساسية لسكان الأهوار بهدف دعم استقرارهم. التحديات التي تواجه الأهوار لا تقتصر على قلة الموارد المائية الداخلية، بل تشمل أيضاً انخفاض الإطلاقات من دول الجوار، إضافة إلى التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، ما يزيد من معدلات التبخر، ويؤثر سلباً على الواقع البيئي والسكاني في تلك المناطق".

بدوره، يؤكد خبير المياه العراقي تحسين الموسوي، أن "جفاف الأهوار وتدهور واقع الثروة السمكية فيها يرتبطان مباشرةً بتراجع المخزون المائي، فالأهوار لا تؤدي دوراً بيئياً محلياً حسب، بل هي ركيزة أساسية في الحفاظ على التوازن البيئي، وتنظيم درجات الحرارة، وضمان التنوع الأحيائي".

ويوضح الموسوي لـ"العربي الجديد"، أن "الأسباب الداخلية للأزمة تتمثل في سوء إدارة سياسة الموارد المائية للبلاد، بينما يتمثل الشق الخارجي في سياسات دول الجوار المائية، ويضاف إلى ذلك التأثيرات السلبية لظواهر تغير المناخ، ما يفاقم من صعوبة إنعاش الأهوار. في ترتيب الأولويات المائية، تأتي مياه الشرب أولاً، وتليها مياه الجريان البيئي، ثم الزراعة، لكن الالتفات إلى الجريان البيئي ضعيف، وهو ما يتسبب في تلوث كبير بالأنهار والبحيرات والمسطحات المائية، وعدم تأمين الحصص المائية اللازمة لمنطقة الأهوار".

ويبيّن أن "الاتفاقيات الدولية تشدّد على ضرورة تأمين الحصص المائية للمحميات الدولية، ومنها الأهوار العراقية، وعلى حكومة العراق التحرك بجدية للضغط على دول الجوار من أجل إطلاق الحصص المائية العادلة، وتحديد حصة الأهوار منها بوضوح. العراق مقبل على ارتفاع شديد في درجات الحرارة خلال الأشهر القادمة، ما سيؤدي إلى تبخر كميات كبيرة من المياه، خاصة في ظل فقدان مساحات واسعة من الأهوار، ما يؤثر مباشرة على الثروة السمكية التي أصبحت مهدّدة بالانقراض بسبب انخفاض مناسيب المياه".

ويشير الموسوي إلى أن "المخزون الاستراتيجي العراقي من المياه لا يتعدى 11 مليار متر مكعب، وهو رقم خطير بالنظر إلى الطلب المتزايد وتراجع الموارد. الوضع الحالي ينذر بكارثة بيئية وأزمات زراعية خانقة تهدد الأمن الغذائي، ويحتاج إلى تحرك حقيقي، يمكن أن يشمل التوجه نحو المجتمع الدولي أو المحاكم الدولية، للمطالبة بحصة العراق المائية لإنقاذ البلاد من كارثة وشيكة".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية