المحيطات تستغيث... تضرّر الحياة البحرية يهدّد المجتمعات
عربي
منذ يومين
مشاركة

تغطي المحيطات أكثر من 70% من كوكبنا، وهي من مصادر قوتنا وحياتنا، تنتج نحو نصف الأوكسجين، لكنها مهددة بالانهيار، ما لم تُتّخذ إجراءات صارمة توقف الملوّثات والاستنزاف الخطير للموارد

يُنذر واقع المحيطات بأزمة حقيقية تتخطّى التداعيات البيئية، لتطاول الحياة المعيشية والصحية والنظم الإيكولوجية والقطاعات الاقتصادية. وتدقّ الأمم المتحدة ناقوس الخطر، حيث تشير إلى أن تغير المناخ والتلوث وفقدان التنوع البيولوجي، كلها عوامل تهدّد النظم البيئية والاقتصادات والمجتمعات، ولا بد من اتخاذ إجراءات عاجلة لاستعادة عافية المحيطات، لما تمثله من أهمية حيوية، كونها تنظم مناخنا وتزوّدنا بالأوكسجين وتمتص الكربون. 

تلفت الأمم المتحدة إلى أن "المحيطات تغطي أكثر من 70% من كوكبنا، وهي مصدر حياتنا، وتدعم قوت البشرية وجميع الكائنات الحية. كما تنتج ما لا يقل عن 50% من أوكسجين الكوكب، وهي موطن لمعظم التنوع البيولوجي على الأرض، والمصدر الرئيسي للبروتين لأكثر من مليار شخص حول العالم. إضافة إلى أن المحيطات عنصر أساسي في اقتصادنا، حيث يُقدر أن الصناعات القائمة على المحيطات ستوظف ما يقرب من 40 مليون شخص بحلول عام 2030. لكن رغم كل فوائدها، أصبحت المحيطات الآن بحاجة إلى الدعم".

وتنذر الأمم المتحدة بأنه "مع استنزاف 90% من تجمعات الأسماك الكبيرة، وتدمير 50% من الشعاب المرجانية، فإننا نستنزف من المحيطات أكثر مما يمكن تجديدها. ففي إبريل/ نيسان 2025، وصلت درجات حرارة سطح البحر العالمية إلى ثاني أعلى مستوياتها على الإطلاق لذلك الشهر، وفقاً لخدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ، والتي يقوم بها المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى.

وفي غضون ذلك، تشهد منطقة البحر الكاريبي والمحيط الهندي وأجزاء من المحيط الهادئ أوسع ظاهرة تبييض مرجاني (تحوّل المرجان إلى اللون الأبيض بسبب فقدان الطحالب التكافلية والأصباغ الضوئية) في التاريخ المسجل. الشعاب المرجانية، التي تُؤوي ربع الأنواع البحرية وتشكل أساساً لمليارات الدولارات التي تدرّها الأنشطة السياحية ومصائد الأسماك، تتلاشى أمام أعيننا. وقد يطلق انهيارها العنان لآثار مُتتالية على التنوع البيولوجي والأمن الغذائي والقدرة على التكيّف مع تغير المناخ".

في الفترة الممتدة من 9 إلى 13 يونيو/ حزيران الجاري، يواصل كل من فرنسا وكوستاريكا استضافة مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات لعام 2025، الذي تُعقد فعالياته في مدينة نيس الفرنسية، بمشاركة قادة سياسيين عالميين، وممثلين عن المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والشباب، وشركاء آخرين. ويهدف المؤتمر الثالث إلى دفع عجلة الالتزامات الجريئة من أجل حفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام.
وعلى مدى خمسة أيام يناقش صنّاع القرار والمعنيّون والخبراء البيئيّون سبل تحقيق التنمية المستدامة والوسائل الكفيلة بدعم تنفيذ الهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة، وهو "الحياة تحت الماء".

وتتوّج المحادثات التي تسبق المؤتمر باعتماد إعلان سياسي والكشف عن "خطة عمل نيس للمحيطات" والتي ترمي إلى مواكبة حجم الأزمة وتسريع العمل للحفاظ على المحيطات واستخدامها المستدام. وستسترشد أعمال المؤتمر الحالي بمؤتمرَي الأمم المتحدة السابقين المعنيين بالمحيطات، اللذين استضافتهما السويد وفيجي في عام 2017 في نيويورك، ثم البرتغال وكينيا في عام 2022 في لشبونة.

وكان الإعلان السياسي لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمحيطات لعام 2022 شدد على أن "المحيطات أساسية لمستقبلنا وللحياة على كوكبنا. فهي مصدر مهم للتنوع البيولوجي وتضطلع بدور حيوي في النظام المناخي والدورة المائية، وتوفر طائفة من خدمات النظم الإيكولوجية، وتزودنا بالأوكسجين، وتسهم في توفير الأمن الغذائي والتغذية وفرص العمل اللائق وسبل العيش، وتعمل بوصفها بالوعة وخزاناً لغازات الدفيئة، بحيث تحمي التنوع البيولوجي، وتوفر وسيلة للنقل البحري، بما في ذلك للتجارة العالمية، وتشكل جزءاً هامّاً من تراثنا الطبيعي والثقافي، وتؤدي دوراً أساسيّاً في تحقيق التنمية المستدامة وبناء اقتصادات قائمة على الإدارة المستدامة للمحيطات والقضاء على الفقر".

وفي كلمة ألقاها في افتتاح مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات، نبّه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إلى أن المحيط هو المورد المشترك الأسمى، "لكننا نخذله"، داعياً إلى دمج أولويات المحيطات في أنظمة المناخ والغذاء والتمويل المستدام، "لأنه بدون محيط سليم، لا يمكن أن يكون هناك كوكب سليم". وقدّم تفصيلاً للتهديدات المتزايدة للمحيطات، بما فيها انهيار المخزونات السمكية، والاستهلاك المفرط والصيد غير المشروع الذي يدفع الحياة البحرية نحو الهاوية، و23 مليون طن من النفايات البلاستيكية التي تدخل المياه سنويّاً، وتلوث الكربون الذي يُسبب حموضة مياه المحيطات، والحرارة القاتلة.

وحذّر الأمين العام من أن "ارتفاع منسوب مياه البحار يغمر أراضي الدلتا، ويدمّر المحاصيل، ويبتلع السواحل، ويهدّد بقاء العديد من الجزر". وأضاف أن هذه "أعراض نظام مأزوم"، وهي تتغذى على بعضها البعض. وأشار إلى أن الهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة لا يزال من أقل أهداف التنمية المستدامة تمويلاً، ما يستدعي زيادة التمويل العام، ودعماً أكبر من بنوك التنمية، ونماذج جريئة لإطلاق العنان لرأس المال الخاص"، داعياً الدول كافة إلى تقديم تعهدات جريئة.

بحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تواجه المناطق الساحلية، التي تضم 40% من سكان العالم و12 من أكبر 15 مدينة في العالم، تحديات فريدة. فهذه المناطق، رغم توافر المياه وجمالها الطبيعي وفرصها الاقتصادية، تتعرض لضغوط ناجمة عن الأنشطة البشرية المكثفة والأزمة الكوكبية الثلاثية المتمثلة في التلوث والنفايات، فقدان التنوع البيولوجي، وتغير المناخ، مما يترك 15% فقط من السواحل في حالة طبيعية. وتُعدّ النظم البيئية الزرقاء التي تمتد عبر سلسلة المياه، حيوية للمجتمعات والوظائف والاقتصاد العالمي والأمن الغذائي والقدرة على التكيف مع تغير المناخ، كما أنها بالغة الأهمية لتحقيق الإطار العالمي للتنوع البيولوجي وأهداف التنمية المستدامة.

يمتص المحيط، وهو مصدر رئيسي للكربون والحرارة، أكثر من 90% من الحرارة الزائدة و30% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية. ويساهم اقتصاد المحيط بأكثر من 1.5 تريليون دولار سنويّاً، داعماً بذلك ثقافات واقتصادات متنوعة. بمعنى آخر، إن النظم البيئية الزرقاء السليمة تحمي الأصول الاقتصادية، وتثري التنوع البيولوجي، وتعزز قدرة الكوكب والمجتمع على التكيف.

ويذكر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن جزءاً كبيراً من الحياة تحت الماء يتركز في أربعة موائل رئيسية: غابات أعشاب البحر، وأشجار المانغروف، ومروج الأعشاب البحرية، والشعاب المرجانية. إلا أن هذه الموائل تواجه تهديدات وجودية ناجمة عن أزمة كوكبية ثلاثية من صنع الإنسان. فعلى سبيل المثال، قد تختفي الشعاب المرجانية، وهي المدن البحرية التي تضم 25% من الكائنات البحرية، بحلول نهاية القرن الحالي. إن فقدان هذه النظم البيئية لن يكون كارثيّاً على النباتات والحيوانات التي تتخذها موطناً لها فحسب، بل سيُلحق أيضاً أضراراً بالغة بالمجتمعات البشرية التي تعتمد على المحيط في غذائها ووظائفها، وسيُسرّع من أزمة المناخ ويُعرّض المناطق الساحلية لعواصف عاتية وارتفاع منسوب مياه البحار.

في حديثه لـ"العربي الجديد"، يتحدث مدير معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند في لبنان، الدكتور منال نادر، عن أهمية المؤتمر الأممي للمحيطات، والذي من شأنه أن "يساهم في رفع الوعي ونشر المعلومات وتسليط الضوء على مواضيع مهمة وملحّة تتعلق بالمحيطات والبحار. لكن للأسف، فإن أكثرية الالتزامات التي تتعهد بها الدول، تكون التزامات مرحلية أو في خانة المزايدات. ما يدعو إلى شكوك بمدى جدية التزام الدول المجتمعة اليوم في فرنسا، بتطبيق تعهداتها تجاه المحيطات والحياة البحرية، حيث إن المشاكل الآنية التي تواجهها الدول تطغى على المشاكل متوسطة وطويلة المدى. ونخشى ما نخشاه أن تلقى توصيات مؤتمر المحيطات، المصير ذاته الذي نشهده في تعهدات والتزامات الدول عقب كل قمة متعلقة بتغير المناخ، حيث تبقى أقوالاً من دون أفعال ملموسة".

ويضيف الدكتور المتخصّص في علوم البحار وزراعة الأسماك: "كل ذلك لا يمنع التخطيط للمستقبل من أجل الحفاظ على بيئة أفضل وبناء مجتمعات تحرص على التوازن البيئي. ونلحظ أخيراً بعض التقدم في مسألة حماية المحيطات والبحار والتنوع البيولوجي، ولو أنه تقدم بطيء، حيث إن عدد  المحميات البحرية إلى تزايد حول العالم، والإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية باتت تدخل في قوانين وتشريعات الدول. لكننا طبعاً سنبقى متأخرين جدّاً عن الاستجابة للتحديات الطارئة والملحّة، إذ إن المخاطر التي تواجهها المحيطات متعددة، من الملوّثات البلاستيكية إلى الكيميائية والصرف الصحي والتسرب النفطي، مروراً بتداعيات تغير المناخ والسياحة غير المنظمة والتوسع العمراني والنقل البحري، وصولاً إلى الحيوانات أو النباتات غير الأصلية التي لديها القدرة على الانتشار، ما يتسبب بأضرار للبيئة والاقتصاد وصحتنا وطريقة حياتنا".

يتزامن انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات مع اليوم العالمي للمحيطات، الذي يتمّ الاحتفال فيه بجمال وثروة المحيطات، في 8 يونيو/حزيران من كل عام، والذي يُحتفل به هذا العام تحت شعار "الحفاظ على ما يُبقينا". وبالمناسبة، دعت منظمة "غرينبيس" إلى "رفع الصوت دفاعاً عن محيطاتنا التي تختنق بالبلاستيك"، وحثّت قادة الدول على إبرام معاهدة عالمية طموحة وقوية تنهي عصر التلوث البلاستيكي، من خلال عريضة أطلقتها في هذا الشأن تحت شعار "كوكبنا الأزرق بخطر". ونبّهت عبر موقعها الإلكتروني إلى أن التلوّث البلاستيكي ينتشر في كل مكان حول العالم، من مياه شاطئ الإسكندريّة (مصر) التي تعجّ بالحياة، إلى أبعد أعماق المحيط المتجمّد الجنوبي. 

ويُعتبر البلاستيك من المواد التي لا تتحلل في الطبيعة، بل تتحوّل إلى لدائن بلاستيكية دقيقة - مايكروبلاستيك - فتتطاير في الهواء، وتنتشر في الطبيعة، وتدخل في سلسلتنا الغذائية عن طريق التربة والمياه والمأكولات البحرية وغيرها، وحتى الهواء الذي نتنفّسه، "إنه أمر خطير للغاية"، وفق ما تفيد به المنظمة البيئية العالمية. وتقول إننا اليوم أمام "فرصة نادرة لا تتكرر مرّتين في جيلٍ واحد، وسوف تسمح لنا بالقضاء على أزمة البلاستيك، حيث إن الاتفاقية المستقبلية تتمتع بإمكانات هائلة لوضع العالم على مسار جدّي نحو مستقبل خالٍ من البلاستيك، ولكن علينا التأكد من أن الدول ستفي بوعودها". 

وإذ تلفت "غرينبيس" إلى أن المجتمعات ظنّت لقرون أن "محيطنا الشاسع لا حدود له، وأنه محصّن ضدّ التأثيرات البشرية. ولم يدرك العلماء إلا أخيراً الآثار المدمرة التي أحدثناها بالفعل على البحار"، تحذّر من أن "المحيطات في خطر أكثر من أي وقت مضى، حيث أشارت التقديرات عام 2020، إلى أن ما تصل إلى 12 مليون طن متري من البلاستيك - من الزجاجات والأكياس البلاستيكية إلى حبيبات البلاستيك الدقيقة - ينتهي بها المطاف في المحيطات سنويّاً. وهذا يعادل شاحنة من النفايات كل دقيقة. وتنتقل هذه المواد البلاستيكية عبر تيارات المحيطات، وهي تنتشر الآن في كل ركن من أركان كوكبنا، من شواطئ فلوريدا إلى جزر المحيط الهادئ غير المأهولة. حتى أنه يُعثر عليها في أعمق نقطة من المحيط، عالقةً في جليد القطب الشمالي. وتتحول المحيطات ببطء إلى حساء بلاستيكي، وتأثير ذلك على الحياة البحرية مدمّر. قطع البلاستيك بمختلف أحجامها تخنق وتسد معدة الكائنات البحرية التي تظنها طعاماً، من العوالق الحيوانية الصغيرة إلى الحيتان". 

وتدعو المنظمة الشركات الكبرى إلى "التحرك للحد من بصمتها البلاستيكية - والتوقف عن إنتاج العبوات البلاستيكية المصممة لاستخدامها لبضع دقائق فقط قبل أن تنتهي في مكبات النفايات والمحارق، وبالتالي تلويث بيئتنا مدى الحياة"، منبّهةً إلى أن "الصيد الجائر والصيد العرضي يوديان بحياة نحو 63 مليار رطل من الحيوانات البحرية سنويّاً. ويُعرّض الصيد الجائر الأمن الغذائي وسبل عيش مجتمعات الصيد للخطر. ويُعاني نحو 90% من مخزون الأسماك البحرية العالمي من الاستغلال الكامل أو الصيد الجائر.

كما يُخلّ النشاط البشري بتوازن النظم البيئية البحرية في كلّ أنحاء العالم، ولا تقلّ الآثار على البشر، خطورة". وقد كشفت "غرينبيس" أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعطائه الضوء الأخضر للتعدين التجاري في أعماق البحار (استخراج المعادن والفلزات من قاع المحيط) في المياه الأميركية والدولية، "يساهم في نهب أعماق البحار"، حيث تراكمت على عمق آلاف الأمتار تحت سطح البحر رواسب من هذه المعادن، مثل المنغنيز والنيكل والكوبالت، على مدى ملايين السنين، مشكّلةً عُقيدات بحجم حبة البطاطس. تُعدّ هذه العُقيدات من العناصر الأساسية للحياة في أعماق البحار، وعندما تختفي، لا يمكن تعويضها؛ ولا الأنظمة البيئية التي تزدهر حولها". 

وتعمل "غرينبيس" على حماية المحيطات من خلال إنشاء شبكة محميات بحرية في 30% من محيطات العالم بحلول عام 2030، خصوصاً أن المحيطات المحمية عالميّاً تبقى أقل من 2%. مع العلم أن المحميات تحافظ على التنوع البيولوجي، وتساعد الأنواع المهددة بالانقراض على التعافي، وتمنح الحياة البحرية فرصةً واعدةً للنجاة من التغيرات السريعة التي نسببها لكوكبنا. كما يمكن لمحميات المحيطات أن تساعد في تجديد مخزونات الأسماك التي تضررت بشدة نتيجة الصيد الجائر. وهذا يعني توفير مصدر غذائي أكثر موثوقية للبشر الذين يحصلون على جزء من بروتينهم من المأكولات البحرية. ويقول العلماء إن موجة الانقراض التي تواجه المحيطات في القرن المقبل قد تكون الأسوأ منذ عصر الديناصورات. إذا لم نغير أسلوب حياتنا، وبسرعة، فإننا نتّجه نحو إحداث أضرار لا رجعة فيها للمحيطات، وانهيار بعض أهم مصادر الغذاء في العالم.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية