
وثّق مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب 426 انتهاكاً مختلفاً في سجون مصر ومقارّ الاحتجاز المختلفة فيها، وذلك في تقريره الشهري عن مايو/ أيار 2025 تحت عنوان "حصاد القهر"، من بينها حالات قتل ووفيات عديدة في أماكن الاحتجاز والتعذيب والتكدير والإهمال الطبي والإخفاء القسري والعنف من الدولة.
وفي التفاصيل، رُصدت من بين هذه الانتهاكات ثلاث حالات قتل، وأربع وفيات أخرى في مكان الاحتجاز، إلى جانب حالتَي تعذيب فردي، و18 حالة تعذيب جماعي، و62 حالة تكدير وتدوير، إلى جانب سبع حالات إهمال طبي، و22 حالة ظهور ضحايا إخفاء قسري، و30 حالة ظهور ضحايا إخفاء قسري متعدّد، و208 حالات عنف دولة بعد الانفجار، و70 حالة عنف دولة.
واستناداً إلى الأرقام والمعلومات الواردة في تقرير مركز النديم، يمكن الحديث عن سجلّ مقلق لانتهاكات حقوق الإنسان في مصر في شهر مايو الماضي. وتتطابق هذه الأرقام مع الصورة الأوسع للوضع الحقوقي في البلاد، التي تثير قلق المنظمات الدولية والمحلية. وقد كشفت الأرقام الأولية استمرار النمط المقلق لانتهاكات حقوق الإنسان في مصر، مسلّطة الضوء على مدى التحديات التي يواجهها الأفراد في ممارسة حقوقهم الأساسية.
وعن حالات القتل الثلاث الموثّقة في تقرير "حصاد القهر"، فهي طاولت يوسف محمود عبد الرحمن ومحمد أبو الوفا محمد وإبراهيم محمد، إذ قُتل أحدهم في خلال حملة أمنية تتعلّق بتجّار مخدرات، في حين تظل ظروف مقتل الآخرَين غير واضحة بناءً على المتوفّر. أمّا الوفيات الأربع في أماكن الاحتجاز، فأظهر التقرير أنّ الضحايا هم بلال رأفت محمد علي، ومحمد شحات عبد العال الجندي، ومحمد أيمن حسن عبد الشافي. وقد وقعت هذه الوفيات في مراكز شرطة مثل "منيا القمح"، وسجون مثل "وادي النطرون" و"بدر 3"، وقسم "العطارين"، الأمر الذي يثير تساؤلات جدية حول ظروف الاحتجاز والرعاية الصحية المتوفّرة.
وعن حالتَي التعذيب الفردي و18 حالة تعذيب جماعي، فأشارت المعلومات الواردة في التقرير عن التعذيب الفردي إلى مروان إبراهيم عبد الباسط ومحمد أيمن حسن عبد الشافي، إذ تعرّضا لضرب مبرح وصدمات كهربائية وإساءات جنسية وحرمان من الطعام والمياه وحبس انفرادي مطوّل، أمّا التعذيب الجماعي، فقد وُثّق في سجون متعدّدة مثل "برج العرب" و"بدر 3" و"أبو زعبل" و"المنيا شديد الحراسة" و"طرة شديد الحراسة" و"الوادي الجديد" و"الفيوم العمومي" وغيرها، علماً أنّ ذلك يشمل تدهور الأوضاع الصحية وانتشار الأمراض وسوء المعاملة.
وفي ما يخصّ 62 حالة تكدير وتدوير، أشار تقرير "حصاد القهر" إلى أنّ 17 من هذه الحالات وقعت في أماكن الاحتجاز، اثنتان منها مرتبطتان بجهات أمنية و43 بجهات قضائية. وبحسب التقرير، فإنّ التكدير والتدوير هما أداة للمضايقة الممنهجة تشمل الحرمان من أداء الامتحانات، وحبس انفرادي مطوّل، ومنع الزيارات القانونية، وتقديم تقارير منكرة، وإجبار على أعمال شاقة، ونماذج من التكدير بمنهجيات قضائية مثل عدم احتساب فترة الحبس الاحتياطي وإعادة التدوير في قضايا جديدة.
وبشأن حالات الإهمال الطبي السبع في سجون مصر ومقار الاحتجاز فيها، بيّن التقرير تدهور الصحة العامة وانتشار الأمراض وحرمان النزلاء من الرعاية الطبية الكافية، ما يسهم في وقوع الوفيات في داخل السجون. بالإضافة إلى ذلك، سُجّل في التقرير 208 حالات عنف دولة بعد الانفجار و70 حالة عنف دولة، ما يشير إلى استخدام القوة المفرطة والانتهاكات من الأجهزة الأمنية في سياقات مختلفة.
في سياق متصل، رصد تقرير مركز النديم 22 حالة ظهور ضحايا إخفاء قسري و30 حالة ظهور ضحايا إخفاء قسري متعدّد، ما يعني أنّ 52 شخصاً ظهروا بعد تعرّضهم لإخفاء قسري، وهي ممارسة ممنهجة تنطوي على إخفاء الأفراد قسراً لفترات متفاوتة، قبل أن يظهورا في مراكز الاحتجاز أو أمام النيابة، وغالباً ما يتعرّضون للتعذيب في خلال فترة إخفائهم.
وتتّفق هذه الأرقام مع ما تبرزه منظمات حقوقية دولية ومحلية تشير إلى تدهور مستمرّ في ملف حقوق الإنسان في مصر. منذ سنوات، تشهد البلاد حملة قمع واسعة النطاق تستهدف المعارضة السياسية والناشطين والصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وتُقيَّد الحريات المدنية والسياسية بصورة كبيرة، بما في ذلك الحقّ في التعبير والتجمّع السلمي وتكوين الجمعيات.
وسبق أن وثّقت تقارير منظمات من قبيل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش استمرار الاعتقالات التعسفية، والاحتجاز لفترات طويلة من دون محاكمة، وظاهرة الإخفاء القسري التي صارت ممارسة منهجية. كذلك، فإنّ ظروف الاحتجاز في السجون المصرية تثير قلقاً بالغاً، وسط الاكتظاظ وسوء المعاملة والتعذيب والحرمان من الرعاية الصحية الكافية، ما يؤدّي إلى وفيات متزايدة في داخلها.
إلى جانب ذلك، يُلاحَظ غياب المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان، إذ نادراً ما يجري التحقيق بفعالية في ادّعاءات التعذيب أو الوفاة في الاحتجاز، الأمر الذي يعزّز ثقافة الإفلات من العقاب. وعلى الرغم من دعوات المجتمع الدولي المتكرّرة، فإنّ الوضع الحقوقي في مصر ما زال يواجه تحديات جمّة.
