الاحتلال يحول مواقع عسكرية في الضفة الغربية إلى مستوطنات
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

في الوقت الذي يتصاعد فيه التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، تبرز تحولات جديدة في المشهد، تتجاوز البؤر العشوائية والمخططات الهيكلية، لتصل إلى مرحلة تحويل المواقع العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي إلى مستوطنات رسمية، كما هو الحال في مستوطنة "متسبيه زيف" المقامة على أراضي قرية بيرين في محافظة الخليل، (جنوب).

وكانت سلطات الاحتلال قد قرّرت، في أواخر مايو/ أيار الماضي، بناء 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، من بينها ثلاث مناطق عسكرية مقامة على أراضي المواطنين في الخليل، وبيت لحم والأغوار الشمالية، وذلك خلافاً لما هو معتاد في التوسع الاستيطاني عبر البؤر العشوائية، أو قرارات المصادرة بحجج "أملاك دولة، أو مناطق أمنية، أو أملاك الغائبين".

وتُقام مستوطنة "متسبيه زيف" حالياً في موقع نقطة مراقبة عسكرية لجيش الاحتلال، وذلك ضمن سياسة إسرائيلية ممنهجة تعتمد السيطرة على كل ما هو فلسطيني، وتحويل أي مساحة في الضفة إلى مستوطنات، وفق املدير العام للنشر والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية أمير داود.

ويبيّن داود لـ"العربي الجديد" أن مستوطنة "متسبيه زيف" الجديدة لم تكن في الأصل بؤرة رعوية أو زراعية، أو أقيمت على ما يسمى "أراضي دولة"، مشيراً إلى أن هذا النوع من الاستيطان لم يحدث منذ سنوات، وكانت أبرز الأمثلة السابقة عليه مستوطنتا "بيت إيل" و"عوفرا" وسط الضفة، في بداية المشروع الاستيطاني منتصف سبعينيات القرن الماضي.

استيطان تحت غطاء الحرب

وكان المستوطنون قد شرعوا في سبتمبر/ أيلول الماضي، في شق طرق في المنطقة المحاذية للنقطة العسكرية داخل أراضي بيرين؛ بهدف ربط مستوطنة "بني حيفر" بالأراضي التي تقام عليها مستوطنة "متسبيه زيف" مروراً ببؤرة استيطانية جديدة في خلة الفرن جنوباً. وشق المستوطنون في المنطقة طريقاً عرضه ثمانية أمتار وطول كيلومترين، ما أدى إلى إحكام السيطرة على الجنوب الشرقي للقرية حيث تحاصرها مستوطنة سوسيا جنوباً، ومن الغرب الشارع الالتفافي، ومن الشمال نقطة عسكرية جديدة تُدعى "معسكر يائي"، كما يوضح رئيس مجلس قروي بيرين فريد برقان لـ"العربي الجديد".

وبدأت محاولات السيطرة قبل اندلاع الحرب على غزة، حيث أحضر الاحتلال آلات حفر عدّة مرات، إلا أن أهالي القرية تمكنوا من طرد المستوطنين ومنعوهم من التوسع في حينه، "لكن اليوم اختلف الأمر، نحن محاصرون من كل الجهات"، يقول برقان.

ويوضح برقان أن الاحتلال استغل الأوضاع الأمنية، ومنذ نحو عشرة أشهر بدأت أعمال توسع متسارعة، شملت إنشاء كنيس يهودي على مساحة 1000 متر مربع، تلاه بناء إضافي على مساحة 800 متر، ثم حفريات متواصلة ترافقت مع وضع أربعة كرفانات، ومد شبكة كهرباء، ثم وضع خمسة كرفانات أخرى، وجميعها ضمن ما يُعرف بمنطقة "متسبيه زيف"، وهي أراضٍ تتبع للقرية.

ويروي برقان عن بداية السيطرة على الأراضي، قائلاً: "قبل نحو 25 عاماً؛ سيطر الاحتلال على الأراضي بالقوة العسكرية بذريعة وجود خلية عسكرية لحركة حماس في المنطقة، وهو ما أدى حينها إلى قصف خاطئ من قبل الطيران الإسرائيلي أودى بحياة ثلاثة جنود إسرائيليين. ومنذ ذلك الحين، أقام المستوطنون مقاماً تذكارياً في الموقع، واستمرت محاولات الأهالي لمنع ترسيخ هذا الواقع، فكانوا يزيلون المجسمات والرموز التي توضع هناك من قبل المستوطنين طوال السنوات الماضية". ومنذ ذلك الوقت ينفّذ المستوطنون حفريات ليلية ويضعون كرفانات ومركبات خاصة في أراضي المواطنين، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل سابقاً.

ويقول برقان: "قبل الحرب، كنا نتصدى لهم، ولم يكن في المنطقة أي بناء قائم، لكن بعد اندلاع الحرب تغيرت المعادلة (...) الآن تقام المستوطنة على مساحة 440 دونماً من أراضي بيرين، تعود لعائلات الزغير، وبرقان، وجويلس". ويشير برقان إلى أن المجلس القروي تواصل سابقاً مع الارتباط التابع للسلطة الفلسطينية (الجهة التي تتواصل مع الجانب الإسرائيلي) لاستيضاح أعمال الاحتلال في المنطقة، لكن دون جدوى، حيث كانت الردود الرسمية تقتصر على أن "الموضوع قيد المتابعة"، حتى تحولت البؤرة إلى مستوطنة قائمة فعلياً على الأرض.

ويلفت برقان إلى أن عشر عائلات استوطنت في "متسبيه زيف" خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وفي إبريل/ نيسان الماضي حضرت جمعيات استيطانية لدعم المستوطنة، ما شجع الاحتلال على تقديم خدمات عامة للمستوطنين فيها مثل جمع النفايات من مستوطنة "سوسيا" القريبة، وتزويدها بالكهرباء من الشركة القطرية الإسرائيلية. ولا تتوقف الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون على بيرين بما يشمل حرق مركبات المواطنين، ومنع المرور، وإطلاق النار على المنازل، وحرق المحاصيل الزراعية، حيث سجّل المجلس القروي منذ فبراير/ شباط الماضي وحتى اليوم أكثر من 40 اعتداءً.

ويقول برقان: "إن المستوطنين جميعهم مسلحون، ومؤخراً زوّدهم الوزير (الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل) سموتريتش بثلاث مركبات جبلية، وأصبحوا يمنعون الرعاة من الوصول إلى أراضيهم، ويحرمون المزارعين من قطف الزيتون، ويحرقون الأشجار، ويعتدون على المزارعين باستخدام العصي والأدوات الحادة وعبوات الغاز".

مسار خطير في الضفة الغربية

ويطالب مجلس بيرين بتوفير وسائل حماية للقرية، مثل حرّاس على مدخلها، وسياج حديدي للمنازل، ومولدات طاقة شمسية، إلا أن جميع الطلبات المقدمة للجهات الرسمية الفلسطينية لم تلق أي استجابة. ويبيّن برقان أن عدد سكان بيرين يبلغ حوالي 530 نسمة، من بينهم 100 طفل. ويشير إلى أن بيرين تضم نحو 40 منزلاً، جميعها مهددة بالإخلاء والهدم كونها في مناطق "ج" خاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية وفق اتفاقية أوسلو. ويضيف أن مساحة بيرين الأصلية 5000 دونم، إلا أن المساحة المتبقية التي يعيش فيها السكان اليوم تقل عن 300 دونم، وباقي الأراضي تحت السيطرة الاستيطانية. ويضيف: "من يقترب من أرضه يتعرض لإطلاق النار من قبل المستوطنين، ما دفع عشر عائلات إلى النزوح منذ عام ونصف، آخرها عائلة رحلت أواخر الشهر الماضي. وبذلك تبقى في القرية 60 عائلة فقط، تعيش وسط مخاوف من التهجير القسري".

ولم يتم اختيار موقع "متسيبه زيف" عبثاً، وفق المدير العام للنشر والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أمير داود، موضحاً أن المستوطنة قريبة من مئات دونمات الأراضي المصنفة محميةً طبيعيةً والتي فقدت فيها السلطة الفلسطينية "صلاحيات التخطيط" قبل نحو عام، وذلك ضمن سياسة إحاطة المحميات الطبيعية بالمستوطنات.

ويعتبر داود أن هذا التطور يعكس مساراً خطيراً، يتمثل في تسخير الاحتلال لكل أدواته - بما في ذلك الجيش - لصالح المشروع الاستيطاني، رغم مخالفة ذلك للقانون الدولي، الذي يعتبر الجيش قوة احتلال لا يحق لها إجراء تغييرات في الأرض المحتلة. وتستند هذه الممارسات، بحسب داود، إلى بنود اتفاق ائتلافي بين حزب "الصهيونية الدينية" والليكود، والذي ينص على تقديم خدمات للبؤر الاستيطانية حتى لو لم تكن شرعية أو ذات مخطط هيكلي معتمد، وهو ما يُطبّق حالياً في عشرات المواقع.

ويلفت داود إلى أن "متسبيه زيف" ستترك أثراً كارثياً على قرية بيرين، لما تسببه من قضم لأراضيها وتوسيع لما يُعرف بـ"مناطق النفوذ والمناطق الأمنية" وهي مساحات سيُمنع الفلسطينيون من دخولها أو الاقتراب منها، ما يعني أن المرحلة المقبلة ستشهد توسعاً في أوامر مصادرة الأراضي، كما أن المنازل في تلك المناطق ستكون مهددة بشكل مباشر بالهدم.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية