
تحوّل إدمان الأطفال لاستعمال منصات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية إلى هاجس لأهالي وعائلات حول العالم في السنوات الأخيرة، وسط شعورٍ بالعجز عن مواجهته، بسبب حضورها الطاغي في جوانب الحياة المختلفة. لكن، في كتابها الصادر حديثاً "الخروج من التكنولوجيا" طرحت الباحثة كلارا موريل تصوراً مختلفاً لكيفية مواجهة الاعتماد المتزايد على الشاشات والمنصات الرقمية بين الأطفال والمراهقين، لا يعتمد على مواجهة الأهل لهذه المسألة فردياً، ما يُشعرهم بالعجز عن المقاومة، بل مواجهة ذلك جماعياً.
في مقال حول كتابها نشرته صحيفة واشطن بوست، الأسبوع الماضي، أشارت موريل إلى أنّ مشكلة إدمان منصات التواصل الاجتماعي والأجهزة الإلكترونية يعاني منها الجميع، وبالتالي فهي تتطلب حلاً جماعياً، يكمن في إنشاء مجتمعات مضادة يقاوم أفرادها تأثيرات الشاشات على أطفالهم سوياً.
خلال إعدادها للكتاب قابلت موريل عشرات العائلات الأميركية التي منعت أطفالها من استخدام منصات التواصل الاجتماعي وغيرها من الأدوات التكنولوجية الحديثة، وتوصلت إلى أنّ هؤلاء الأطفال لم يكونوا معزولين أو غريبي أطوار، بل على العكس، إذ ربطتهم بعائلاتهم علاقة قوية، ولم يكونوا مستائين من حرمانهم من التكنولوجيا. أما القاسم المشترك بين هذه العائلات فيكمُن في أنها بحثت عن عائلات أخرى تشاركها قيماً وأفكاراً مماثلة حول منح أبنائهم طفولةً حقيقية خالية من الشاشات، بحسب الباحثة.
واستعادت زيارتها إلى حي في أحد ضواحي واشنطن، الذي بدا كأنه "ينتمي لسبعينيات القرن الماضي"، حسب تعبيرها، إذ وجدت أطفالاً يلعبون في الخارج ويركبون الدراجات ويتشاجرون فيما بينهم، من دون وجود للهواتف الذكية معهم.
لم يكن هذا الحال دائماً في الحي، وفقاً لموريل، لكن التحوّل بدأ نتيجة محادثة بين أم وجارتها حول كيفية التعامل مع استعمال أطفالها للشاشات، إذ توصلتا إلى دفع أولادهما للعب سوياً في الخارج، وهو ما حظي بموافقة الآباء، الذين ساعدوا في فرض القيود التكنولوجية. خلال وقت قصير، انضم المزيد من الأهالي والأطفال في الحي إلى الأسرتين، بعد أن جذبتهم رؤية الأطفال يركضون ويلعبون ويضحكون سوياً، كان ذلك كل ما تطلبه الأمر لتغيير الأجواء في الحي، وإبعاد الأطفال عن الأجهزة الإلكترونية.
أشارت موريل أنه من غير الضروري أن تجد الأسرة عائلات أخرى تحمل نفس الموقف من التكنولوجيا في الحي، لكن من الضروري أن تتحدث مع عائلاتٍ أخرى، في المدرسة مثلاً، تسعى لتقليل حضور التكنولوجيا في حياة أطفالها. تلفت الباحثة إلى أن الأهم هو رفض حتمية الهواتف الذكية في حياة الأطفال، وذلك للانطلاق في بناء خطط وتصورات مختلفة لنمط حياتهم.
ورأت في مقالها المنشور في "واشنطن بوست"، أن تنظيم مجموعة، ولو صغيرة، من العائلات الملتزمة بتقييد استخدام التكنولوجيا، يحقق أهدافاً متعددة، منها: القدرة على إيجاد شركاء للأطفال في اللعب والقيام بأنشطة بديلة، وتقديم الدعم المعنوي، والمساعدة في حل المشكلات. كذلك، لفتت إلى أن هذه المجموعات يمكنها الدفاع عن نفسها على نحوٍ أفضل عندما تسعى المؤسّسات التعليمية إلى تعزيز استعمال الهواتف الذكية أو التطبيقات للمشاركة في التجمعات المدرسية أو الأنشطة الرياضية، وبالتالي يمكنها أن تفرض على إدارات المؤسّسات إيجاد حلول بديلة تبقي أبناءهم بمعزل عن التكنولوجيا.
واعتبرت الباحثة أن من واجب العائلات إنشاء مجتمعات واقعية غنية وذات معنى للأطفال، لتكون قادرة على منافسة الجاذبية المتزايدة للمجتمعات الرقمية.

أخبار ذات صلة.
