الذهب في الاحتياطي النقدي القطري
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

ارتفعت أسعار الذهب في السوق العالمية ارتفاعاً كبيراً خلال السنوات القليلة المنصرمة، في حين سجلت أسعار الفائدة على الودائع المصرفية انخفاضاً مستمراً. استجاب مصرف قطر المركزي لهذين المؤشرين، فأجرى تعديلاً جوهرياً على سياسته النقدية. أصبح يشتري كميات من الذهب سنوياً.

في غضون أربع سنوات، اشترى أكثر من خمسين طناً عن طريق ودائعه المصرفية، فحقق أرباحاً كبيرة. إنها خصوصية تنفرد بها قطر مقارنة بجميع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. تتولى لجنة الاستثمار التابعة لمصرف قطر المركزي وضع السياسة السنوية العامة للاحتياطي النقدي بكافة مصادره. وتوزع مهام تنفيذها على ثلاث إدارات: إدارة الاستثمار التي تراقب سعر صرف الريال مقابل الدولار. وإدارة مخاطر الاستثمار والالتزام المكلفة بالمجالات الآمنة لاستثمار الاحتياطي النقدي. وإدارة عمليات الاستثمار والتسويات التي تحدد توقيت ميادين استغلال الأموال.

تعتمد سياسة المصرف على التوازن والتوفيق بين وظيفتين: الوظيفة الأولى أن يوفر المصرف السيولة اللازمة لاستقرار سعر صرف الريال مقابل الدولار من جهة، ولتغطية احتياجات المصارف من العملات الأجنبية من جهة أخرى.

والوظيفة الثانية استثمار الاحتياطي النقدي في الودائع والسندات والأسهم والأذونات وكذلك في شراء الذهب.

أهمية الذهب

لغاية نهاية 2006، لم يكتسب الذهب أهمية في الاحتياطي النقدي القطري، فلم يكن يزيد على نصف طن. ولكن رغبةً في تنويع هذا الاحتياطي وبسبب التطورات العالمية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، حدث تغيير جوهري في السياسة النقدية القطرية. في 2007، اشترى مصرف قطر المركزي أكثر من سبعة أطنان من الذهب.

وبذلك، انتقل حجمه من 0.5 طن في الربع الرابع من 2006 إلى 8.3 أطنان في الربع الأول من 2007. وتوالت المشتريات سنوياً حتى بلغ حجمه 110.8 أطنان في نهاية 2024. خلال الفترة بين 2020 و2024، ازداد المعدن إذاً بمقدار 54.1 طناً. وبذلك، تسجل الدولة من هذه الزاوية المرتبة الخليجية الأولى. وتستحوذ على المرتبة العربية الثانية بعد العراق، وتأتي مصر بالمرتبة الثالثة.

في هذه الفترة، ارتفعت قيمة الذهب بنسبة تفوق بكثير نسبة ارتفاع المكونات الأخرى للاحتياطي النقدي. فقد وصلت الزيادة في هذه القيمة إلى 168.8%، في حين سجلت العملات الأجنبية (الودائع) زيادة قدرها 8.3%. وارتفعت الموجودات لدى صندوق النقد الدولي (حقوق السحب الخاصة والودائع القطرية لدى الصندوق) بنسبة 24.5%.

تتجه السياسة النقدية القطرية إلى تقليص أهمية العملات الأجنبية وزيادة دور الذهب في الاحتياطي النقدي. ففي نهاية 2015، كان مجموع العملات الأجنبية المملوكة لقطر لدى المصرف المركزي والبنوك الأجنبية 95,356 مليون ريال، أي 50.2% من الاحتياطي النقدي. أما في نهاية 2024، فقد بلغت هذه العملات 89,060 مليون ريال، أي 34.9% من الاحتياطي النقدي. بذلك تكون هبطت قيمة هذه العملات وكذلك أهميتها النسبية في الاحتياطي.

حدث العكس تماماً في ما يخص الذهب. ففي نهاية 2015، كانت قيمته 2758 مليون ريال، أي 1.4% فقط من الاحتياطي النقدي. ثم أصبحت 33,801 مليون ريال في نهاية 2024، أي 13.2% منه. بمعنى آخر، ازداد الذهب من حيث مبلغه ومن حيث نسبته.

يؤشر هذا الوضع بوضوح إلى أن قطر تشتري الذهب بالعملات الأجنبية المودعة في المصارف الأجنبية. وهذه سياسة سليمة لأن أسعار الفائدة على هذه العملات سجلت هبوطاً كبيراً في الآونة الأخيرة. في حين ازدادت أسعار الذهب باستمرار وبقوة. أدت هذه السياسة إلى إحراز تقدم على مستوى التصنيف الدولي.

ففي نهاية 2015، كانت قطر تسجل المرتبة العالمية رقم 91 في قيمة الذهب ورقم 95 في نسبتها إلى الاحتياطي النقدي. وفي نهاية 2024، أصبحت تستحوذ على المرتبة 33 والمرتبة 25 على التوالي.

يتأتى تزايد أهمية الذهب في الاحتياطي النقدي القطري من تفاعل عاملين: العامل الأول يتعلق بالسياسة النقدية القطرية التي اتجهت إلى شراء كميات إضافية من الذهب.

والعامل الثاني تصاعد أسعار المعدن في السوق العالمية. ارتفاع أسعار الذهب ارتفع سعر الذهب من 1296 دولاراً للأونصة في منتصف فبراير/ شباط 2019 إلى 2936 دولاراً في منتصف فبراير 2025. بمعنى أن المعدل السنوي لنسبة الارتفاع 21.1%. يعود هذا التصاعد إلى عدة أسباب: الأول هو الحرب الروسية الأوكرانية وحرب إسرائيل ضد غزة ولبنان. أسهم هذا الوضع في زيادة الطلب على الذهب فارتفع سعره. والثاني توتر العلاقات التجارية الدولية.

وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى عقوبات اقتصادية على روسيا بسبب حربها ضد أوكرانيا وضد إيران بسبب برنامجها النووي. كما ارتفعت الرسوم الجمركية الأميركية المفروضة على السلع المستوردة من جميع أنحاء العالم. وبالمقابل، اتخذت دول إجراءات تجارية ونقدية انتقامية. ترتبت عن ذلك زيادة الطلب على الذهب فارتفع سعره.

تخفيض أسعار الفائدة

أقدمت دول عديدة على خفض أسعار الفائدة على عملاتها، خاصة في العام الماضي. فقد أجرى الفيدرالي الأميركي تخفيضاً على سعر الفائدة ثلاث مرات (في سبتمبر/ أيلول ونوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول). وتمارس الإدارة الحالية ضغطاً على البنك المركزي بهدف إجراء تخفيضات أخرى.

كما قلص الأوروبيون سعر الفائدة على اليورو. وسلكت جميع دول الخليج هذا النهج. فعلى سبيل المثال، خفّض مصرف قطر المركزي سعر الفائدة على الريال في التواريخ الأميركية نفسها. يقود هذا الوضع المصحوب بعدم تراجع معدلات التضخم إلى هبوط عوائد الودائع المصرفية، فيتجه الأشخاص نحو الملاذ الآمن لأموالهم وهو الذهب. عندئذ ترتفع أسعاره.

تزايد طلب البنوك المركزية للأسباب المذكورة أعلاه، لجأت البنوك المركزية إلى شراء كميات كبيرة من الذهب. ففي 2024، وللعام الثالث على التوالي، وصل طلب هذه البنوك إلى حوالي ألف طن. وسجل الطلب أوج عظمته في الربع الرابع من 2024 حيث بلغ 333 طناً حسب منشورات مجلس الذهب العالمي. ويبلغ حجم مشتريات قطر في العام المنصرم 9.9 أطنان، الأمر الذي قاد إلى تحسن حجم الأرباح.

تزايد الأرباح

استجابت لجنة الاستثمار التابعة لمصرف قطر المركزي لارتفاع أسعار الذهب. فاتخذت قرارات بشراء كميات منه سنوياً. تمخض عن هذه السياسة في إدارة الاحتياطي النقدي تحقيق أرباح لا يستهان بها. وبسبب عدم وجود إحصاءات رسمية حول هذه الأرباح، في ما يلي محاولة لتقديرها بصورة تقريبية: في منتصف فبراير 2024، كان لدى مصرف قطر المركزي 100.9 طن من الذهب.

وكان سعر الأونصة 2003 دولارات في السوق العالمية. وفي منتصف فبراير 2025، أصبح لدى المصرف 110.8 أطنان وارتفع سعر الأونصة إلى 2936 دولاراً. بمعنى أن المصرف اشترى 9.9 أطنان من الذهب. وعلى افترض أن عمليات الشراء جرت في منتصف فبراير 2024، يصبح الفرق بين السعرين 901 دولار.

عندئذ، يمكن استخلاص حجم الأرباح وفق المعادلات التالية التي وضعها المؤلف لغرض هذه المقالة: 9.9 أطنان × 35.2 ألف أونصة للطن الواحد × 2003 دولارات للأونصة = 698.0 مليون دولار. وهو سعر شراء 9.9 أطنان في منتصف فبراير 2024. هذا المبلغ يمثل أموالاً سحبها مصرف قطر المركزي من أرصدته المودعة في بنوك أجنبية كانت تدر فائدة قدرها 5.5% (سعر الفائدة على الدولار السائد في تلك الفترة)، أي يترتب على السحب خسارة مالية سنوية تعادل 38.4 مليون دولار. 9.9 أطنان × 35.2 ألف أونصة × 2936 دولاراً للأونصة = 1023.1 مليون دولار. يمثل هذا المبلغ قيمة 9.9 أطنان في منتصف فبراير 2025. 1023.1 – 698.0 = 325.1 مليون دولار. وهي الأرباح المتحققة بسبب اتخاذ قرار بشراء تلك الكمية خلال سنة واحدة. 325.1 – 38.4 = 286.7 مليون دولار. وهي الأرباح الصافية بعد طرح الخسارة الناجمة عن السحب.

أما إذا انطلق الحساب من عام 2020، فسوف تتضاعف الأرباح عدة مرات ليس بسبب ارتفاع أسعار الذهب فقط، بل كذلك لأن كمية الذهب انتقلت من 56.7 طناً في نهاية 2020 إلى 110.8 أطنان في نهاية 2024. حققت إذاً عمليات الشراء أرباحاً مهمة. وسوف يستمر المصرف بهذه العمليات لعدم وجود أية توقعات تشير إلى انخفاض أسعار المعدن. باستثناء قطر، لا توجد دولة خليجية أخرى اشترت كميات من الذهب منذ عدة عقود.

البنوك المركزية في السعودية والإمارات والبحرين وعمان والكويت لم تستجب إطلاقاً لارتفاع أسعار الذهب. لذلك لم تحقق ربحاً عن طريق سياساتها. وضياع فرص الأرباح يعادل خسائر مالية فادحة لم يعد بالإمكان تعويضها.

تستحوذ قطر على المرتبة الخليجية الأولى في الأهمية النسبية للذهب في الاحتياطي النقدي. ولم تحرز الدولة هذه المكانة بسبب ارتفاع أسعار الذهب فحسب، بل كذلك بسبب شراء كميات من هذا المعدن سنوياً.

ولكن لا تزال هذه الأهمية ضعيفة مقارنة بدول عديدة صناعية كالولايات المتحدة وألمانيا، وعربية كالأردن ولبنان. ولما كان من المتوقع أن تستمر أسعار المعدن بالتصاعد على الأقل خلال العام الجاري، يصبح من الضروري أن يستمر مصرف قطر المركزي بشراء كميات أخرى من الذهب.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية