
يحتفل أطفال المغرب بعيد الأضحى هذا العام بشكل مختلف، إذ تسعى الأسر إلى إدخال الفرحة إلى قلوب الصغار من خلال شراء ملابس جديدة ورحلات ترفيهية إلى الحدائق وفضاءات الألعاب، لتعويض غياب الأضحية.
لم تغب فرحة عيد الأضحى عن الصغار، رغم غياب صوت الخروف هذا العام عن أسطح البيوت المغربية، وداخل "فنادق الخرفان" التي كانت تؤوي الأضاحي قبيل العيد، بعد قرار ملكي استثنى شعيرة الذبح نظراً للتحديات المناخية والاقتصادية. ومع حلول المناسبة، واصلت الأسر المغربية استعداداتها بطريقتها، فيما وجد الأطفال سبلاً بديلةً للاحتفال، وأجواء عائلية تضفي على عيد الأضحى طعماً مختلفاً.
في حي سعد الخير بالدار البيضاء، تقول نور (7 سنوات): "صحيح أنه لا يوجد خروف هذا العام، وسأُحرَم من طبق الخيلوطة، الذي نشارك في تحضيره نحن بنات الحي بجمع قطع صغيرة من اللحم تجلبها كل واحدة من بيتها، فنتعاون على طهيه بمساعدة إحدى الأمهات، ويكون طعمه لذيذاً، لكنني رغم ذلك سعيدة، سأرتدي فستاني البنفسجي الجديد، وسأبدو مثل الأميرة رابونزل، بطلة رسومي المتحركة المفضلة". أما علي (6 سنوات)، من الحي المحمدي، فيقول بحماس: "وعدني أبي أن نذهب إلى مدينة الألعاب، وسيشتري لي المثلجات التي أحبها... كما أنني سأفتح حصّالتي لأشتري بها ما أريد، وخاصة لعبة سبايدرمان الخارق. إنني متحمّس لأنني سأقضي عيد الأضحى بشكل مختلف، خصوصاً بعد نهاية الدراسة".
فيما تبدو ليلى (10 سنوات)، من المدينة القديمة، حزينة لافتقاد طقوس كانت تملأ قلبها بالفرح، وتقول: "العيد هذا العام فقد الكثير منه... لا وجود للفنادق التي تؤوي الخرفان، ولا للعربات التي كانت توصلها إلى المنازل، ولا لباعة الفحم، كنت أحب مرافقة والدي لاختيار الأضحية، وأتذكر خروف العام الماضي جيداً، فقد قضيت معه وقتاً جميلاً، كنت أساعد أبي في إطعامه ووضع الماء له". ويوضح بدر (8 سنوات)، من البرنوصي: "مع اقتراب العيد، أتذكر كيف كانت جدتي تزين رأس الخروف بالحنّاء، وترش عليه الملح صبيحة الذبح... كنا نتسابق لنرى أي جار اشترى خروفاً بقرون أطول".
أما لين (11 سنة)، فتشع عيناها فرحاً بانتظار قدوم العيد: "شاركت أمي في إعداد الحلويات وتزيين صالة الضيوف، وسأساعدها في تحضير طبق اللحم بالبرقوق. أنا متحمسة جداً لاستقبال خالاتي وبناتهن، وسنلعب معاً، ونرتدي القفطان، وننقش الحناء، كما سنلعب لعبة (من أنا؟) لو كنتُ شخصية كرتونية... وأتمنى أن يخمنوا أنني المحققة ميرا، لأنها ذكية وتحب المغامرات مثلي".
وتقول هبة (9 سنوات)، من قرية بضواحي سطات: "هذا العام، لن نتحلق حول أمي وهي تشوي رأس الخروف، ولن نرى القديد (اللحم المجفف) معلقاً على الحبل، ولن نفطر على طبق الكبد كما جرت العادة، لكننا سنجتمع في بيت جدتي، ونستمع لحكاياتها القديمة، ونلعب طقس زمزم، برش الماء بيننا احتفالاً". ويشاركها الحماس ياسين (10 سنوات)، من قرية قرب الجديدة: "أحب مرافقة أبي إلى صلاة العيد، وارتداء الجَبادور الذي اشتراه لي في عيد الفطر. سنزور الأقارب ونتبادل التهاني والتبريكات. وبعد تناول طبق الكسكس في الغداء، سأخرج للعب كرة القدم مع أصدقائي قرب الأشجار، هكذا سنقضي اليوم في اللعب والضحك".
ورغم غياب شعيرة الأضحية هذا العام، حافظت أسر كثيرة على العادات الغذائية المرتبطة بها، إذ حرصت على اقتناء كميات من اللحم و"الدوارة" التي تشمل القلب والكبد والرئة وتدخل في إعداد طبق "بولفاف" الشهير الذي يلف بقطع من الشحم، ويُشوى على الأسياخ، أو طبق المروزية الحلو المالح.
من جهتها، تؤكد الحسنية اكريران، صانعة محتوى مرتبط بالأسرة، وأمّ لطفلين أنها تحرص على أن تشرح لأبنائها أن عدم وجود الأضحية لظروف استثنائية لا يعني غياب العادات والتقاليد المرتبطة بالعيد، بل فرصة لاكتشاف أبعاد أعمق للمناسبة الدينية والاجتماعية وإحياء أواصر التواصل، وترسيخ لحظات تترك أثراً في الذاكرة.
بدوره، يرى الأخصائي الاجتماعي والباحث في علم النفس، محمد حبيب، أن غياب طقوس الذبح قد يخلّف أثراً نفسياً لا يُستهان به، خاصة لدى الأطفال الذين يبنون إدراكهم للعالم من خلال التكرار الرمزي. ويشرح: "وفقاً لعلم النفس التنموي، فإن الطفل في مرحلة التفكير التمثيلي يعتمد على الطقوس لبناء صورة منتظمة للعالم، غياب الأضحية يُربك هذا التصور".
ولتجاوز هذا الأثر، يوصي حبيب باستخدام ما يُعرف بـ"إعادة التأطير المعرفي"، أي شرح الأسباب للطفل بطريقة قيمية وإنسانية، وربطها بمفاهيم الرحمة والتضامن، مع تعويض الطقس الغائب بأنشطة رمزية مثل الرسم أو التمثيل أو القصص، بما يُعيد بناء المعنى بطريقة جديدة. ويشدد أيضاً على أهمية الطقوس الاجتماعية البديلة كارتداء الملابس الجديدة وتبادل التهاني وزيارة الأقارب، ويقول: "هذه الممارسات تمنح الطفل ما يُعرف بالإطار الرمزي للطمأنينة، وتغذي شعوره بالأمان والانتماء".
