
أعد التقرير لـ”يمن ديلي نيوز” محمد عبدالقادر اليوسفي: في صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي المصنفة إرهابية، يلحظ السكان منذ أيام تحركات أمنية مكثفة.
دوريات مسلحة تنتشر في الأحياء، ونقاط تفتيش جديدة ظهرت في تقاطعات رئيسية، وسط تعليمات صارمة للسكان بتجنب التصوير في الأماكن العامة، بما في ذلك الحدائق والشوارع والساحات المفتوحة.
حتى الهواتف المحمولة لم تعد بعيدة عن الرقابة، إذ يُطلب من المواطنين أحيانًا تسليم أجهزتهم لتفتيش محتوياتها، خاصة بالقرب من أقسام الشرطة والأماكن الحكومية.
في 11 مايو/أيار الماضي أصدر مكتب وكيل أمانة العاصمة صنعاء المعين من جماعة الحوثي مذكرة إلى مدراء عموم المكاتب التنفيذية، ومدراء المديريات بأمانة العاصمة، لأي فريق تلفزيوني أو منشئ محتوى بعدم التصوير أو إجراء مقابلات إلا بتصريح رسمي من وزارة الإعلام في حكومة الجماعة الغير معترف بها دوليًا.
ومع أن التعميم اقتصر على منشئي المحتوى والإعلاميين، إلا أن تعليمات تنشرها جماعة الحوثي عبر الإذاعات المحلية للسكان بعدم التصوير في الأماكن العامة هذه الإجراءات التي فرضتها جماعة الحوثي انعكست على سكان العاصمة مع حلول عيد الأضحى المبارك إذ يشعر السكان أنهم مكبلون وخائفون حتى من التقاط الصور الشخصية.
يقول “علي مقبل حميد” (إسم مستعار) لبائع هواتف إنه غير مهتم بالتقاط الصور أو توثيق لحظات العيد كما هم آخرون، ونشر تلك اللقطات على التواصل الاجتماعي، لكن التعليمات التي يسمعها عبر الإذاعة وعبر مختلف وسائل النشر حفزت فيه رغبة جامحة للتصوير.
وفي حين قال “ماهر المعيني” (إسم مستعار لناشط عبر التواصل الاجتماعي يهتم بنشر الصور) عند سؤال “يمن ديلي نيوز” له عبر الفيسبوك حول التوجيهات بمنع التقاط الصور: باقي يقطعوا عنا الهوا والماء.
ويضيف: بالنسبة لي أنا سأتوقف عن نشر الصور، وبعمل لي حساب مستعار باسم وهوي وخليهم يلاحقوني.
“نوال العلوي” أم لطفلتين، قالت إنها تعرّضت لموقف صادم أثناء التقاط صورة لطفلتها بثوب العيد في شارع الزبيري: “اقترب مني عنصر مسلح وطالبني بحذف الصورة فورًا، قال لي: مش وقت تصوير، نحنا في جهاد”. لم أفهم كيف يتحوّل ثوب العيد إلى تهديد أمني. تقول نوال.
التخابر يلاحق العوئل
لا يقتصر التضييق على المجال العام، بل يمتد إلى الفضاء العائلي. ريم نعمان، معلمة في إحدى مدارس صنعاء، روت لـ “يمن ديلي نيوز” قصة توقيف شقيقها شهاب ليلة العيد بينما كان يصوّر أطفاله أمام دوّار السبعين.
“تم اقتياده إلى قسم الشرطة، وخضع لتحقيق استمر خمس ساعات، سألوه إن كان سيرسل الصور لإسرائيل. كانت تهمة خيالية، لكنه خرج منها مرعوبًا”.
واقعة مشابهة رواها المواطن “راشد عبدالله” من حي بيت معياد، الذي تعرض ولده للاحتجاز بسبب صورة التقطها قرب أحد مراكز الشرطة، إنه خلال التحقيق واجه تهم بالعمالة لأمريكا وإسرائيل، وصودر هاتفه.
أما خالد العمراني، من حي مذبح، فتعرّض لتفتيش هاتفه في نقطة تفتيش حوثية، وأُجبر على حذف صور التقطها لإخوته خلال زيارة عائلية صباح العيد.
يقول: “قال لي العسكري إن الصور قد تُستخدم لاستهدافهم، وإن العدو يتربص بهم من خلال صور المواطنين. وسألني: ليش تفرح بالعيد وتحتفل والناس تموت في غزة؟”.
فرحة مؤجلة
“راوي فاروق السامعي”، صحافي وناشط حقوقي، قال إن ما يجري في مناطق الحوثيين يمثل “انتهاكًا صارخًا للحق في الخصوصية والحرية الشخصية”. وأوضح: “أن تُعامل الصور العائلية كأدلة محتملة على التجسس، وأن يُستدعى الناس للتحقيق بسبب فرحتهم، فهذا يعكس تغوُّل الأجهزة الأمنية في أدق تفاصيل الحياة المدنية، وهو توجه خطير يهدد النسيج الاجتماعي ويحوّل الأعياد إلى مواسم خوف وترقّب”.
من جهته يرى استاذ العلوم السياسية بجامعة تعز ،عبدالقادر الخلي، أن ما يحدث في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثي ليس مجرد تضييق أمني، بل مشروع سياسي وأيديولوجي له هدف واضح: “قتل المجتمع من الداخل، تدمير بهجة الناس، خنق طقوسهم، تفريغ حياتهم من الدفء الإنساني، ومحو ذاكرتهم الجمعية بالصمت والخوف، وعندما يتحوّل الفرح إلى شبهة، وتصبح الصورة خطرًا، يكون المجتمع أمام نظام لا يحكم فقط بالخوف، بل يعيش في رعب وجودي من أي شكل للحياة”.
وتتحدث تقارير دولية ومحلية عن تزايد القيود التي تفرضها جماعة الحوثي المصنفة إرهابية على وسائل التواصل الاجتماعي والتصوير، بما في ذلك تصوير الأفراح والمناسبات، بعد أن سيطرت على وسائل الاعلام وأوقفت عشرات القنوات والصحف التي كانت تصدر في مناطق سيطرتها.
ظهرت المقالة قيود التصوير والتعليمات المشددة تفسد ما تبقى من بهجة العيد في صنعاء أولاً على يمن ديلي نيوز Yemen Daily News.