كيف يؤثر اضطراب الاقتصاد الأميركي على العرب؟
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

بينما يدخل الاقتصاد الأميركي صيفاً مضطرباً عنوانه الرسوم الجمركية، والتقلبات السياسية، والجمود في قرارات التوظيف والاستثمار، تُسلَّط الأضواء على المنطقة العربية بوصفها أحد أكثر الأقاليم حساسية لتداعيات هذا الاضطراب؛ فسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التجارية، وإن كانت تستهدف الصين وأوروبا بالدرجة الأولى، إلّا أن تداعياتها الفعلية تطاول أسعار الطاقة، والأسواق المالية، والتحويلات، والمشاريع الكبرى.

وستجد الدول العربية التي ترتبط بأسواق التصدير الأميركية، أو تعتمد على الدولار مكوناً أساسياً في سياساتها النقدية، أو تراهن على تدفقات رؤوس الأموال الغربية، نفسَها مجبرة على التكيّف مع واقع جديد أقل يقيناً وأكثر حساسية. وذكرت وول ستريت جورنال، في تقرير لها، أمس السبت، أن الشركات الأميركية بدأت بالفعل في تجميد الإنفاق الرأسمالي والتوظيف، بانتظار وضوح في سياسات الرسوم الجمركية. 

ومنذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض مطلع عام 2025، أطلقت إدارته موجة جديدة وغير مسبوقة من الرسوم الجمركية، في إطار ما وصفته بـ"تحرير الاقتصاد الأميركي من التبعية الخارجية". وفي إبريل/نيسان 2025، أعلنت واشنطن فرض رسوم جمركية جديدة على أكثر من 40 دولة، بنسب بدأت بـ10% وارتفعت في بعض الحالات إلى 145%، قبل أن تُخفّض لاحقاً إلى متوسط 30% بعد تدخلات من القطاع الصناعي ووزارة الخزانة. وشملت هذه الرسوم قطاعات حيوية مثل السيارات، الأدوية، الإلكترونيات، الصلب، والأغذية المصنعة، ما أثار حالة من الذعر في سلاسل التوريد الدولية، وأربك حسابات المستثمرين والشركات الكبرى داخل الولايات المتحدة وخارجها.

وقد استخدمت إدارة ترامب في فرض هذه الرسوم أدوات قانونية متنوعة أبرزها: قانون الطوارئ الاقتصادية الدولية (IEEPA)، والقسم 301 من قانون التجارة، والقسم 232 الخاص بالأمن القومي، كما منحت الإدارة الأميركية مُهلاً تفاوضية قصيرة لبعض الدول الحليفة مثل المملكة المتحدة وكوريا الجنوبية لتعديل أوضاع ملكية شركاتها أو منشأ إنتاجها، مهدِّدة بفرض تعرِفات تصل إلى 50% حال عدم التوصل لاتفاق، هذا النهج التصادمي لم يكن موجهاً للصين وحدها، بل امتد إلى الحلفاء التقليديين.

دول الخليج الأكثر تأثراً

وتُعد دول الخليج العربي من أوائل المتضرّرين غير المباشرين من اضطراب التجارة الأميركية، كونها تعتمد كثيراً على عائدات الطاقة المرتبطة بمستوى الطلب العالمي. ومع تقلص استثمارات الشركات الأميركية وارتفاع تكلفة الإنتاج بسبب الرسوم الجمركية، يُتوقع تراجع الطلب الصناعي على النفط ومشتقاته، ما قد يضع ضغوطاً هبوطية على الأسعار، كما أن تباطؤ الاقتصاد الأميركي، الذي لا يزال المحرك الأكبر للنمو العالمي، سيؤدي إلى تغير في استراتيجيات أوبك+ في النصف الثاني من 2025، بحسب توقعات الوكالة الدولية للطاقة نصف السنوية لعام 2025.

وبالنسبة لبلدان مثل مصر وتونس والمغرب، التي تشهد نمواً متزايداً في صادرات الصناعات الخفيفة والتجهيزات الزراعية إلى أميركا الشمالية، فإن الرسوم الجديدة وتباطؤ الطلب الاستهلاكي الأميركي قد يؤديان إلى تقلص الصادرات بمعدل يصل إلى 10–15% خلال الربع الثالث من 2025، حسب تقديرات أولية لغرف التجارة العربية الأميركية، كما أن تقلبات السياسة التجارية تُعيق عقود التوريد طويلة الأجل، ما يجبر الشركات المصدّرة في هذه الدول على مراجعة استراتيجيات التسعير والشحن، بما قد يؤدي إلى خسائر في الحصص السوقية أمام منافسين آسيويين، وفقاً لتقرير غرفة التجارة العربية - الأميركية، في يونيو/حزيران 2025.

العملات المرتبطة بالدولار

ويعتمد العديد من المصارف المركزية في الشرق الأوسط على ارتباط وثيق بين عملاتها المحلية والدولار الأميركي، مثل الريال السعودي، والدرهم الإماراتي، والدينار البحريني. وبالتالي، فإن أي اضطراب في الاقتصاد الأميركي، خاصة في ظل تردّد مجلس الاحتياطي الفيدرالي في خفض الفائدة بسبب المخاوف التضخّمية، سينعكس على السياسات النقدية في المنطقة. وستجد هذه الدول نفسها مجبرة على الحفاظ على أسعار فائدة مرتفعة، حتّى في حال تراجع النشاط الاقتصادي المحلي، ما يزيد الضغط على قطاعات مثل العقارات، والقروض الاستهلاكية، والاستثمار المحلي بحسب تقرير تحليل ارتباط العملات 2025 لبنك التسويات الدولية.

وترتبط عملات عربية عدّة بالدولار الأميركي عبر نظام سعر صرف ثابت أو شبه ثابت، في إطار سياسات نقدية تهدف إلى تحقيق الاستقرار المالي وتقليل تقلبات العملة المحلية. وتُعد أبرز هذه العملات: الريال السعودي، والدرهم الإماراتي، والدينار البحريني، والريال القطري، والريال العُماني، والجنيه السوداني (سابقاً)، إضافة إلى الدينار الأردني الذي يرتبط بالدولار عند سعر ثابت منذ عام 1995، كما تحافظ العملة الليبية (الدينار) على ارتباط عملي بالدولار في السوق الرسمية. ويتيح هذا الارتباط لدول الخليج، خاصّة، استقراراً في أسعار الواردات والتعاملات النفطية التي تُسعّر بالدولار، لكنه يحد من مرونة السياسات النقدية الداخلية في مواجهة التقلبات العالمية.

ورغم أن عدداً من العملات العربية لا تعتمد نظام الربط الرسمي بالدولار الأميركي، إلّا أن تأثير تحركات الدولار يظل مباشراً على قيمتها في الأسواق الرسمية والموازية. وتشمل هذه العملات: الجنيه المصري، والليرة اللبنانية، والدينار التونسي، والدرهم المغربي، والشلن الصومالي، والعملة الجزائرية (الدينار)، وغيرها. وتتأثر هذه العملات بتغيرات أسعار الفائدة الأميركية، وتدفقات الاستثمارات الأجنبية، وحركة أسعار الطاقة والسلع، وكذلك بتكلفة خدمة الدين الخارجي المقوّم بالدولار. وبحسب بيانات بنك التسويات الدولية 2025، فإن أكثر من 70% من التداول الخارجي لهذه العملات يجري تسعيره أو تسويته بالدولار، ما يجعل استقرارها مرهوناً جزئياً بالسياسات النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

السياحة وتحويلات المغتربين

وتشكل السياحة وتحويلات المغتربين ركيزتَين أساسيتَين في اقتصادات دول مثل الأردن ومصر ولبنان، وإذا تراجعت القوة الشرائية للأميركيين أو المغتربين في دول تعتمد على الدولار، فقد تنخفض التحويلات بنسبة قد تترواح بين 7و 9% هذا العام، وفق تقديرات البنك الدولي. أما السياحة القادمة من أميركا، فستتأثر بالقيود الإنفاقية على العائلات الأميركية متوسطة الدخل، ما يهدد بتراجع في إيرادات السياحة بالدول ذات الوجهات العلاجية أو التراثية، مثل الأردن والمغرب.

وتشكل السياحة مصدراً مهماً للعملات الصعبة في عدد من الدول العربية، لا سيّما مصر، والمغرب، والإمارات، وتونس، والأردن، إذ تسهم بنسب متفاوتة في الناتج المحلي الإجمالي. وتعد الولايات المتحدة من أهم أسواق السياحة الدولية المصدّرة للسياح، خصوصاً للإمارات ومصر، وتؤثر التغيرات في الاقتصاد الأميركي، خاصة في الدخل الشخصي، وأسعار صرف الدولار، والسياسات الأمنية، مباشرةً على تدفقات الزوار الأميركيين إلى المنطقة، كما أن ارتفاع الدولار يعزّز من إنفاق السائح الأميركي في الدول ذات العملات الضعيفة أو المرتبطة بالدولار، في حين تؤدي أي أزمة ركود أو تباطؤ في السوق الأميركية إلى تراجع السفر للخارج وتقليص الإنفاق السياحي.

كما أن تحويلات المغتربين، تعد من المصادر الأساسية للعملة الأجنبية في اقتصادات عربية عدّة مثل مصر، لبنان، اليمن، السودان، الأردن، والمغرب، إذ يعيش ملايين العرب في الولايات المتحدة ودول مرتبطة باقتصادها. وتؤثر التغيرات في أسعار الفائدة الأميركية، والتضخم، والتوظيف في سوق العمل الأميركي على قدرة المغتربين على إرسال الأموال لأسرهم، التي تتجاوز قيمتها الإجمالية 60 مليار دولار سنوياً في العالم العربي، بحسب بيانات البنك الدولي 2025، وأي تباطؤ اقتصادي في أميركا يؤدي غالباً إلى انخفاض تحويلات العمال العرب، ما ينعكس على احتياطات الدول المستقبلة ويزيد من الضغوط المعيشية والمالية فيها.

الاستثمارات السيادية

كما أن الاستثمارات السيادية الخليجية، لا سيّما من السعودية والإمارات وقطر، في البنية التحتية والتكنولوجيا الأميركية، تواجه الآن وضعاً غير واضح. فالتقلب في السياسات التجارية، وغياب استراتيجية طويلة الأمد من إدارة ترامب، يضع هذه الصناديق أمام خيارين: إما التريث لحين استقرار السياسات، أو إعادة توجيه بعض الاستثمارات إلى آسيا وأوروبا، إذ ترتفع فرص الاستقرار في البيئة القانونية والتجارية. وبحسب ما نقلت "فاينانشيال تايمز"، فإن بعض الصناديق بدأت فعلاً بمراجعة عقودها في مشاريع التكنولوجيا النظيفة بولايات كاليفورنيا وتكساس.

وتعد دول الخليج العربي من أبرز حاملي الأصول السيادية في العالم، عبر مجموعة من الصناديق الحكومية التي تدير استثمارات عالمية ضخمة. أبرز هذه الصناديق تشمل: صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF)، جهاز أبوظبي للاستثمار (ADIA)، الهيئة العامة للاستثمار الكويتية (KIA)، جهاز قطر للاستثمار (QIA)، جهاز الاستثمار العُماني (OIA)، وصندوق احتياطي الأجيال البحريني. وتُقدر الأصول السيادية الخليجية مجتمعة بأكثر من 3.5 تريليونات دولار حتى منتصف 2025، وفقاً لبيانات معهد صناديق الثروة السيادية (SWFI). وتتوزع هذه الاستثمارات على مجالات الأسهم العالمية، والسندات الحكومية، والعقارات، والتكنولوجيا، والطاقة.

وتشهد استراتيجيات هذه الصناديق تنوعاً متزايداً في التوزيع الجغرافي والقطاعي، إذ توسعت الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة، البنية التحتية، الطاقة النظيفة، والرعاية الصحية، إلى جانب الاهتمام المتزايد بالأسواق الآسيوية الناشئة. وتُعد الولايات المتحدة أكبر وجهة للأموال الخليجية السيادية، تليها بريطانيا، ثم الصين والهند، كما تخضع هذه الاستثمارات لمعايير رقابة صارمة في الدول المستضيفة، لا سيّما بعد تشديد قوانين الفحص الأمني على الاستثمارات الأجنبية في بعض القطاعات الاستراتيجية منذ 2022، ما دفع بعض الصناديق الخليجية إلى إنشاء مكاتب إقليمية لضمان الامتثال التشغيلي والتوسّع المباشر.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية