خلال العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين، تزايد حديث المتابعين والمحللين حول الموقع المستقبلي البارز للقارة السمراء في المجال الاقتصادي والتنموي على الصعيد العالمي. وقد استندت هذه الرؤى إلى الإمكانات البشرية وكذلك إلى الموارد الطاقية والمنجمية لأفريقيا والتي تحتاجها كبريات القوى الاقتصادية في العالم. غير أن واقع أفريقيا اليوم يقطعُ مع كل هذه الرؤى الحالمة ويكشفُ عن حقيقة أكثر مرارة لقارة يبدو أنها تسير إلى الخلف لتستعيد ماضيها الدموي لما بعد الاستقلال.
لقد تزايدت المؤشرات على ذلك خلال الفترة الأخيرة في أكثر من دولة لتلخِّص الواقع في بعض الكلمات: الحرب، الجوع والمرض، الفقر. فمنذ أسبوعين تزايدت هجمات الجماعات الإرهابية الإسلامية التابعة لتنظيم القاعدة في كل من مالي، خاصة في مدينة تومبكتو، ومن بوركينا فاسو لتفند دعاية الحكومات العسكرية التي أعقبت انقلابات السنوات الأخيرة والتي وعدت بالتخلص من الإرهاب. إنه خليط من الحرب الأهلية ومن الحرب على إرهاب الجماعات الإسلامية المسلحة على حساب واقع السكان الفقراء.
من جهته، يعطينا السودان صورة إضافية على عودة أفريقيا إلى واقع الحروب الذي استمر طوال جزء كبير من حقبة الحرب الباردة. فقد وصل الصراع بين الجيش وقوات الدعم إلى حد الحديث عن استعمال أسلحة كيميائية استدعت تدخل واشنطن لفرض عقوبات على الخرطوم مؤخرا. كما تأتينا أخبار هذا البلد الأفريقي العربي مؤخرا مثقلة بالموت جراء انتشار وباء الكوليرا في العاصمة الخرطوم. وعلى شاكلة السودان، قس الوضع في عديد الدول الأفريقية الأخرى مثل أثيوبيا والصومال ومنطقة البحيرات خاصة في شرقي الكونغو وكذلك في ليبيا.
نحن إذن من خلال هذه المشاهد اليومية للحرب والجوع والمرض أبعد ما يكون عن تلك الصورة التفاؤلية التي مازال البعض يروج لها عن مستقبل واعد للقارة السمراء. فالواقع يقول إن هناك عودة إلى الوراء، إلى ماضي الحروب وإلى ماضي الانقلابات العسكرية والحروب الإثنية التي لا تترك أي مجال للحديث عن تنمية القارة ومستقبل شبابها. أين المشكل؟
يكمن المشكل بالأساس في هشاشة دول لم يكتمل مسارها نحو البناء أو أنها بقيت حبيسة لحظة بداية هذا البناء. فالدولة الوطنية المستقلة في أفريقيا، عدى بعض الحالات وخاصة في أقصى جنوب القارة، لازالت إلى اليوم تبحث عن طريقها في مواجهة عوائق عدة منها بقاء المجتمع منتظما حول التشكيلات التقليدية العشائرية والأثنية والدينية، ومنها أيضا ضعف المؤسسات المدنية للدولة بشكل جعلها دوما رهين مؤسسة الإكراه الأقصى وهي المؤسسة العسكرية. إن الرهان الأول لحكام أفريقيا اليوم هو صناعة الدولة وليس صناعة الحكم.