الملصقات الفلسطينيّة... فن تحركه إرادة المقاومة
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

يتأسّس معرض "فنّ الملصقات الفلسطينيّة"، المُقام حالياً في غاليري P21 بلندن والممتد حتى 14 يونيو/ حزيران الحالي، على مقولة جوهرية: الملصق ليس مجرد أداة دعائية، بل هو شكل فني متكامل يستمد جمالياته من تقاطعاته مع فنون الغرافيك، التشكيل، الفوتوغرافيا، وغيرها. هكذا يطرح المعرض نفسه فضاءً لقراءة تطور هذا الشكل التعبيري داخل الاجتماع الفلسطيني، بوصفه مرآة حساسة للرجّات السياسية والاجتماعية التي عرفها هذا المجتمع في ظل الاحتلال الإسرائيلي.
يحمل الملصق الفلسطيني ذاكرة نضالية حية، ويُعاد تشكيلها وفق تحوّلات الحاضر، ليُصبح، كما يصفه الفيلسوف الفرنسي بول ريكور، وسيلة انتقائية تعيد رسم الماضي وفق رهانات الحاضر. في هذا السياق، لا يتعامل المعرض مع الملصق باعتباره أرشيفاً فقط، بل بوصفه ممارسة بصرية تُعيد بناء الشخصية الوطنية الفلسطينية وتوثّق الهويّة المتحوّلة، عبر لغة الفن وبلاغة الصورة.
الفنون البصرية، بحسب منطق هذا المعرض، ليست وسائط جمالية فقط، بل أدوات فاعلة في بناء المتخيّل الجماعي الفلسطيني في علاقته مع الاستعمار. فالصورة، بما لها من تأثير في زمننا، تتجاوز الأشكال الخطابية، لتتحول في الملصق إلى سلاح رمزي لإدانة الاحتلال وتفكيك سردياته.
يُعيد المعرض الاعتبار للملصق الفلسطيني بوصفه أحد أبرز أشكال المقاومة البصرية منذ ستينيات القرن الماضي. وتكمن خصوصيته في السياق العربي في كونه وُلد من رحم المعاناة السياسية أكثر من أي دافع جمالي بحت. ورغم وجود ملصقات في تجارب عربية أخرى، إلا أن التجربة الفلسطينية تحتفظ بفرادتها، بفعل ما اختزنته من إرث كفاحي عابر للأزمنة والحدود.
السياسة هي التي حرّكت الملصق الفلسطيني، لا النظريات الجمالية. فقد نشأ أداةً تعبوية، وشكّل واجهة لخطاب المقاومة، ومع الوقت تطور ليصبح فنّاً قائماً بذاته، تتقاطع فيه الرمزية الحضارية مع الحسّ الجمالي، كما يتجلى في أعمال فنّانين مثل تيسير بركات، حنين نزال، نبيل عناني، سليمان منصور، فيرا تماري، ورنا سمارة. يقدّم المعرض أعمال هؤلاء في سياق تاريخي يرصد تطوّر الملصق الفلسطيني من منشور تعبوي يُلصق على الجدران إلى عمل بصري يُعرض في غاليريهات الفن المعاصر.
يركّز المعرض على الملصق السياسي، بوصفه فنّاً موجهاً تحرّكه إرادة المقاومة، إذ لم يكن الهاجس منصباً على البعد الفني، بل على التعبير السياسي، سواء في أثناء الانتفاضة الأولى أو انتفاضة الأقصى أو خلال العدوان المستمر على غزة. تلك اللحظات الكاشفة دفعت الفنانين الفلسطينيين إلى تحويل أدواتهم الفنية إلى منصّات لمقاومة المحتل بصرياً ورمزياً.

من يتأمل الأعمال المعروضة يلمس جماليات متقنة، سواء في استخدام الألوان أو المزج بين الخط الكاليغرافي والتجريد والتعبير الواقعي، كما في عمل "ضدّ" للفنانة حنين نزال. ويتّضح كيف لعبت منظمة التحرير الفلسطينية دوراً محورياً في دعم الملصق بوصفه وسيلة سياسية وإعلامية، عبر إنتاج آلاف النماذج التي وجدت طريقها إلى الشارع العربي، خصوصاً داخل التيارات اليسارية التي جعلت القضية الفلسطينية جوهر نضالها.
في هذا السياق، تعدّ حقبة الستينيات والسبعينيات محطة تأسيسية للملصق الفلسطيني، حين ارتبط اسمه بالدم والشهادة، ثم تطوّر ليصبح عملاً تجريدياً أو واقعياً يحفظه الوجدان العربي الجماعي. ومن يمعن النظر في التراكمات البصرية للملصق الفلسطيني يجد فناً متكاملاً من حيث البناء الفني والخيال التعبيري، يتقاطع مع تيارات التشكيل والغرافيك ليؤسس لأسلوب بصري متجذر في الثقافة الوطنية والذاكرة الجمعية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية