
يعصف الائتلاف اليميني الذي يقوده بنيامين نتنياهو أزمة حادة قد تتسبب في حل الكنيست الإسرائيلي، بسبب عدم التوصل إلى حل بشأن “قانون الإعفاء من التجنيد” مع الحريديم، بعد انتهاء المهلة التي منحوها لتقديم المقترح.
ومساء الثلاثاء، عُقد اجتماع بين رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية من حزب “الليكود” يولي أدلشتاين، وممثلين عن تحالف “يهودوت هتوراه” الديني بشأن مشروع القانون الذي يعفي المتدينين اليهود من الخدمة العسكرية.
ورغم حديث أدلشتاين بأن الاجتماع بشأن أزمة تجنيد الحريديم كانت “أجواؤه طيبة”، سارع ممثلو الأحزاب الحريدية إلى وصفه بـ”الكارثي”.
يأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه أحزاب “يش عتيد” بقيادة يائير لابيد، و”الديمقراطيون” بقيادة يائير غولان، و”إسرائيل بيتنا” بقيادة أفيغدور ليبرمان، عزمها عرض مشروع قانون حل الكنيست.
ومن المقرر أن يُعرض مشروع القانون أولاً على اللجنة الوزارية للشؤون البرلمانية التي ستقرر قبوله أو رفضه، ثم يُطرح للقراءة التمهيدية يوم الأربعاء المقبل.
مصير الائتلاف مرهون بموقف أربعة حاخامات.. من هم؟
وأصبح مصير الائتلاف مرهوناً بموقف أربعة حاخامات، وهم: حاخام غور، والحاخام دوف لاندو، والحاخام موشيه هيلل هيرش، والحاخام إسحاق يوسف، وهم من سيقررون ما إذا كانت أحزاب “شاس” بقيادة أريه درعي، ومكونات “يهودوت هتوراه” “ديغل هتوراه” بقيادة عضو الكنيست موشيه غافني، و”أغودات إسرائيل” بقيادة وزير الإسكان إسحاق غولدنوبف، ستبقى في الحكومة.
وبحسب تقرير لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، فإن أول من بدأ تفكيك اللبنات الأولى لاستقرار الائتلاف هو حاخام غور، يعقوب أرييه ألتر، زعيم أكبر طائفة حسيدية في إسرائيل، وهو الرجل الأقوى نفوذاً في “أغودات إسرائيل”.
ويُعتبر حاخام غور من أغنى الحريديم في إسرائيل، وتُقدّر ثروته بنحو 350 مليون شيكل، معظمها عقارات، ولذلك يتمتع بنفوذ كبير اقتصادياً وشعبياً.

ولا يُعد حاخام غور الوحيد في قيادة الحريديم، حيث يتعين على حاخامات التيار الليتواني أيضاً، وهما الحاخام دوف لاندو، والحاخام موشيه هيلل هيرش، اتخاذ قرارهما معاً.
والحاخام لاندو هو المالك المسيطر لصحيفة حزب “ديغل هتوراه”، حيث تنتشر عليها تعليماته للعامة، ويُعد شخصية أكثر عدوانية، فهو يرفض التحدث مع نتنياهو أو كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي، انطلاقاً من معارضته المبدئية للمحادثات مع رموز الحكم الإسرائيلي.
أما الحاخام هيرش، فيُعتبر القائد الأكثر انفتاحاً، وُلد في الولايات المتحدة وتخرج من معهد ليكوود الديني الأمريكي.
وفي العام الماضي، وفي ظل اضطرابات التجنيد في الجيش الإسرائيلي، التقى بكبار مسؤولي الجيش، بمن فيهم اللواء ديفيد زيني، ورئيس هيئة الأركان العامة السابق للجيش، اللواء يانيف آسور، كما التقى بمسؤولين آخرين، حتى إنه تحدث مع نتنياهو في مارس/آذار الماضي، في محاولة لسد الفجوة والتوصل إلى قانون تجنيد متفق عليه.
ولكن على الرغم من اعتداله، أثار أيضاً بعض الجدل عندما تناول قضية التجنيد الإجباري، قائلاً إن “الفار من الخدمة العسكرية من الوصايا”، وإن كل من يسعى لتجنيد طلاب المدارس الدينية “يقطع الغصن الذي يجلس عليه”.
أما حاخام حزب شاس، إسحاق يوسف، فقد شدد سابقاً على أن قانون التجنيد يؤذي الحريديم، مضيفاً: “لو كنا مع أحزاب اليسار لكان الأمر أفضل، لا أعلم لماذا يصرون على البقاء مع أحزاب اليمين”.

وتذكر صحيفة “يديعوت أحرونوت” أنه على المستوى الحاخامي، سوف يتلقى الحاخامات الأربعة التحديثات من المستوى السياسي لأحزابهم ويتخذون القرارات، بهدف إنشاء جبهة مشتركة.
ما خيارات الأحزاب الحريدية؟
والأربعاء، صرّح مسؤولون كبار في حزب “يهدوت هتوراة”، أحد الأحزاب الحريدية في الائتلاف الحكومي، بأن الاجتماع مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع يولي إدلشتاين، كان فاشلاً.
كما تلقى رئيس حزب “ديغل هتوراة”، أحد مكونات “يهدوت هتوراة”، موشيه غافني، تعليمات بالانسحاب من الائتلاف والعمل على حل الحكومة.
وفي بيان صادر عن الزعيم الروحي لحزب “ديغل هتوراة”، الحاخام موشيه هيلل هيرش، ورد أنه لا مفر من الانسحاب من الائتلاف في القريب العاجل.
كما أمر الحاخام دوف لاندو، شريك هيرش في قيادة “ديغل هتوراة”، بدعم قانون حل الكنيست.
ويُبدي حزب “أغودات إسرائيل”، بزعامة وزير الإسكان إسحاق غولدنوبف، اهتماماً بتقديم مقترح لحل الكنيست منذ الأسبوع الماضي، بعيداً عن إمكانية الانسحاب من الائتلاف.
أما حزب شاس، بزعامة أييه درعي، فما زال صامتاً حالياً، وينتظر ليرى ما ستُفضي إليه تهديدات “يهدوت هتوراة”، وإذا اتضح له أن الأزمة وصلت إلى طريق مسدود، فسيتخذ قراره؛ لأنه لا يرغب في أن يظهر بمظهر من يفكك الائتلاف، لا سيما أن ناخبيه معروفون بدعمهم لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

لكن القناة 13 العبرية نقلت عن مصادر في حزب “شاس”، أنه من المتوقع أن يُعلن الحزب تأييد حل الكنيست والتوجه إلى انتخابات إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.
فيما أشارت صحيفة “معاريف” إلى أن درعي يريد تحديد موعد انتخابات متفق عليه، وليس إسقاط الحكومة على رأس نتنياهو.
ونقلت صحيفة “معاريف” عن مقربين من نتنياهو، أن الأخير يميل إلى الاعتقاد بأن الحريديم لن يُسقطوا الحكومة الثلاثاء المقبل، ما يمنحه هامشاً زمنياً صغيراً لمواصلة بلورة صيغة قانون في لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست.
لكن مسؤولين في الأحزاب الحريدية يُقدّرون أن إسرائيل سوف تتجه إلى انتخابات مبكرة.
ويقول المحلل السياسي يشاي كوهين لصحيفة “معاريف”، إن الأحزاب الحريدية لديها العديد من الخيارات المختلفة، أبرزها خيار قانون حل الكنيست.
وبينما يعتقد حاخام غور بضرورة الاستقالة من الحكومة وإسقاطها، يفضل حاخام “ديغل هتوراة” دعم قانون حل الكنيست.
وتخشى أحزاب حريدية أن تؤدي استقالتها من الحكومة إلى فرض قانون تجنيد أكثر صرامة على الحريديم مما هو مقترح حالياً، ولذلك تدرس الاستمرار مع فرض عقوبات، إلى جانب المفاوضات حول نص القانون الذي سيتم تقديمه إلى الكنيست للموافقة عليه في القراءتين الثانية والثالثة.
ماذا يعني دعم الحريديم حل الكنيست؟
يمثل حزب شاس، بقيادة درعي، 11 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي، أما حزب “يهدوت هتوراة” فيمثل بشقيه 8 مقاعد فقط.
وإذا اقتصر التهديد بالموافقة على مشروع قانون حل الكنيست على “يهدوت هتوراة”، فإن الائتلاف سيبقى مدعوماً بأغلبية 61 عضواً، وعليه لن تكون هناك أغلبية تؤيد حل الكنيست.
لكن إذا انضم حزب شاس إلى قرار حل الكنيست، فإن الائتلاف اليميني سيفقد الأغلبية، ويتحتم على إسرائيل التوجه إلى انتخابات مبكرة.
وأمام هذا الخيار، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن نتنياهو قد يدعو إلى انتخابات جديدة قريباً إذا شعر أن شركاءه الحريديم يعتزمون الإطاحة بالحكومة بسبب قانون التجنيد.
وقال وزير رفيع المستوى لموقع “زمان يسرائيل” التابع لـ “تايمز أوف إسرائيل” باللغة العبرية، إن “نتنياهو سيسعى إلى إنقاذ أصوات الناخبين الذين أصبحوا يعتبرون إعفاء عشرات الآلاف من طلاب المعاهد الدينية الحريدية أمراً غير مقبول”.

وأكد الوزير الإسرائيلي أن “نتنياهو يعلم أنه لا يوجد حل لمسألة تجنيد الحريديم. إنه ينتظر الوقت المناسب، وسيقول في النهاية: في هذه المسألة المهمة، لم أستسلم”، وبهذه الطريقة سيحصل، على الأقل في الانتخابات، على دعم جنود الاحتياط الإسرائيليين الذين لا يقبلون بعدم المساواة في التجنيد العسكري.
وقد يستغرق حل الكنيست عدة أسابيع، بحسب صحيفة “هآرتس”، التي تشير إلى أن هذه الفترة قد تمكّن الحريديم من البقاء في مناصبهم الحكومية، مع إمكانية التوصل إلى اتفاق.
ما الخلافات بين الأحزاب الحريدية وإدلشتاين بشأن أزمة تجنيد الحريديم؟
من القضايا التي أثارت جدلاً واسعاً في اجتماع إدلشتاين مع ممثلي الحريديم، والتي أدّت إلى تفجّر الوضع، كيفية تطبيق العقوبات على طلاب المدارس الدينية غير الملتحقين بالجيش.
حيث يُصر إدلشتاين على فرض عقوبات على الجميع، حتى من يعتبر أن دراسته هي مهنته، وهو أمر غير مستعد له الأحزاب الحريدية.
كما برز خلاف حول موعد بدء تطبيق العقوبات، وما يُعتبر فعلياً “إخفاقاً في تحقيق الأهداف”.
حيث يطالب إدلشتاين بتطبيق العقوبات على المتهربين من التجنيد فوراً، بينما يُطالب الحريديم بتطبيقها فقط بعد موافقة وزير أو هيئة مهنية يُحدّدها القانون.
ويطالب إدلشتاين باستثناء المتجندين للشرطة والإطفاء والإسعاف من حساب نسبة المجندين، مقابل رغبة الحريديم في احتسابهم ضمن الحصص لرفع الأرقام دون زيادة فعلية في الخدمة العسكرية.
إضافةً إلى ذلك، يُطالب إدلشتاين بإقرار تجنيد 50% من الفئة العمرية الحريدية خلال خمس سنوات، وهو أمر لا يتقبّله الحريديم.