البنك الدولي: مليشيا الحوثي تعمّق الانهيار الاقتصادي وتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن
حزبي
منذ يوم
مشاركة

كشف تقرير حديث صادر عن البنك الدولي تحت عنوان "المرصد الاقتصادي لليمن - ربيع 2025"، عن صورة قاتمة للوضع الاقتصادي في البلاد، محذرًا من أن اليمن يواجه "هشاشة مزمنة" وسط تصاعد المخاطر الداخلية والخارجية.

 

التقرير الذي اطلع عليه "الصحوة نت" وترجمه للعربية، يغطي النصف الأول من عام 2025، ويتناول بالتفصيل التداعيات العميقة للنزاع المستمر منذ نحو عقد من الزمن، ويركز على تعقيدات الاقتصاد المجزأ، وانهيار مؤشرات التنمية، وتدهور مستويات المعيشة.

 

وأشار التقرير إلى أن المليشيا الحوثية تسببت بشكل مباشر في تعميق الأزمة، من خلال فرض الحصار على صادرات النفط التابعة للحكومة المعترف بها دوليًا، وتصعيد الهجمات في البحر الأحمر، والسيطرة القسرية على مؤسسات الدولة المالية والخدمية.

 

وأوضح أن الهجمات الحوثية على سفن الشحن التجاري، واحتجاز العاملين الإنسانيين، أدت إلى تراجع كبير في المساعدات الخارجية، وتفاقم حالة انعدام الأمن الغذائي، مشيرًا إلى أن اليمن بات من بين أفقر ثلاث دول في العالم من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي.

 

- الحصار الحوثي على النفط:

فرضت المليشيا الحوثية منذ أكتوبر 2022 حصارًا مطبقًا على صادرات النفط اليمني من مناطق الحكومة، من خلال تنفيذ هجمات بطائرات مسيّرة على موانئ تصدير النفط، ما أدى إلى وقف شبه كامل للإيرادات النفطية التي كانت تشكل العمود الفقري للموازنة العامة.

 

البنك الدولي أشار في تقريره إلى أن الإنفاق الحكومي تقلص بشكل كبير عقب توقف الصادرات، حيث تراجعت النفقات من 13.6% إلى 8.9% من الناتج المحلي، ما أثر سلبًا على الخدمات الأساسية ورواتب الموظفين في مناطق الشرعية.

 

وسلط التقرير الضوء على استمرار اعتماد اليمن على الواردات لتلبية حاجاته الغذائية والسلعية، إذ بلغت قيمة العجز التجاري نحو 12.3 مليار دولار، ما يعادل 70% من الناتج المحلي، في ظل تدهور متسارع للعملة في عدن، حيث بلغ سعر الصرف 2065 ريالًا للدولار مع نهاية 2024، مقارنة بـ1540 ريالًا مطلع العام ذاته.

 

كما أشار إلى أن انخفاض قيمة الريال وارتفاع تكاليف الاستيراد دفع بمعدلات التضخم في مناطق الحكومة إلى أكثر من 30%، ما تسبب بتآكل كبير في القدرة الشرائية، وانخفاض الاستهلاك، وتعميق المعاناة المعيشية للمواطنين.

 

- تقويض القطاع المالي وابتزاز المنظمات:

ذكر البنك الدولي أن المليشيا الحوثية صعّدت بشكل متسارع من ضغوطها على النظام المصرفي، حيث منعت البنوك من الامتثال لتوجيهات البنك المركزي في عدن، وفرضت سياسات نقدية منفصلة زادت من تفكك المنظومة المالية.

 

وشهد النصف الأول من 2024 توترًا شديدًا بين البنك المركزي في عدن والبنوك العاملة في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، على خلفية تعليمات بإعادة تموضع المصارف إلى مناطق الشرعية، وتهديدات بفصلها عن نظام "سويفت".

 

ورافق ذلك احتجاز المليشيا لعدد من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية، ما دفع عدة جهات مانحة إلى تقليص تمويلها أو إعادة توجيه مساعداتها إلى مناطق أخرى، وهو ما أدى بدوره إلى تفاقم حاد في أزمة الغذاء والرعاية الصحية في مناطق سيطرة الحوثيين.

 

وتطرق التقرير إلى أن مناطق الحوثيين تشهد شحًا شديدًا في السيولة النقدية، وتقييدًا حادًا لعمليات السحب من البنوك، مع انهيار في صرف رواتب الموظفين العموميين، واعتماد أكثر من 50% من السكان على العمالة المؤقتة أو المساعدات الإغاثية، وفقًا لبيانات منظمة الأغذية والزراعة.

 

وحذر البنك الدولي من أن الاقتصاد في مناطق المليشيا يدار وفق موازنة نقدية مغلقة، تخضع للابتزاز والعسكرة والجبايات، دون أي رقابة أو محاسبة، ما يخلق بيئة طاردة للاستثمار ويؤدي إلى مزيد من التدهور المعيشي، خاصة مع توقف المنظمات عن توزيع الغذاء منذ أواخر 2023.

 

- هجمات البحر الأحمر ضيّقت الخناق على اليمنيين:

لفت التقرير إلى أن عمليات مليشيا الحوثي في البحر الأحمر تسببت في تراجع بنسبة 75% في حركة الملاحة عبر قناة السويس، ما رفع تكاليف الشحن العالمية، وفرض قيودًا إضافية على تدفق البضائع إلى اليمن.

 

ووفقًا للتقرير، فإن مليشيا الحوثي عملت على احتكار موانئ الإغاثة والسلع الأساسية، ومضاعفة الرسوم والضرائب غير القانونية، ما ساهم في ارتفاع أسعار الغذاء وتفاقم الجوع في مناطق سيطرتها.

 

ولفت البنك الدولي إلى أن تقويض المليشيا للملاحة الدولية، وتصنيفها كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، أفضى إلى قيود إضافية على التعاملات البنكية، ما عمّق عزلة النظام المالي اليمني، وقيّد التحويلات الخارجية، في ظل تراجع صافي الاحتياطات الأجنبية إلى 1.3 مليار دولار فقط، تغطي بالكاد 1.1 شهر من الاستيراد.

 

- تفكك الدولة يعمّق التدهور الإنساني:

رصد تقرير البنك الدولي تدهورًا مريعًا في مؤشرات التنمية البشرية، إذ بات اليمن يحتل المرتبة 186 من أصل 193 دولة على مؤشر التنمية البشرية.

 

وبحسب البيانات، فإن 17% من الأطفال يعانون من الهزال الحاد، و41% من نقص الوزن، وهي من أعلى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما أن أكثر من 63% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ونحو ربع السكان يجمعون بين الجوع والفقر.

 

وأفاد التقرير أن العديد من الأسر استنزفت كل وسائل الصمود، ما دفعها إلى بيع الممتلكات أو إخراج الأطفال من المدارس للعمل أو التسول، في حين تحول بعضهم إلى الزراعة البسيطة كمصدر بديل للعيش، رغم افتقارهم للموارد والخدمات اللازمة لدعم الإنتاج الزراعي.

 

وأكد البنك الدولي أن تعمّد المليشيا تسييس المساعدات ومنع التقييمات المستقلة ومنع توظيف النساء، قد فاقم من عزلة الفئات الضعيفة، وأضعف قدرة المنظمات على الاستجابة الفعالة، ما أدى إلى دائرة مغلقة من الجوع والفقر وانهيار البنية الاجتماعية.

 

- طريق التعافي يبدأ من استعادة الدولة:

خلص تقرير البنك الدولي إلى أن خروج اليمن من أزمته المتعددة الأبعاد يتطلب وقفًا دائمًا للحرب، وتوحيد المؤسسات، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية هيكلية، مشيرًا إلى أن السلام من شأنه أن يفتح الباب أمام تدفق أوسع للدعم الدولي، ويحفز النمو ويعيد الخدمات العامة.

 

وشدد التقرير على ضرورة البدء في إجراءات استقرار الاقتصاد الكلي، واستعادة وظائف الدولة الأساسية، وتحديث الإدارة المالية، وتحسين مناخ الأعمال، وتعزيز الشفافية، لخلق بيئة مواتية للتعافي، خاصة في ظل وجود طاقات بشرية قادرة على النهوض.

 

وفي المدى المتوسط، دعا التقرير إلى تحسين الإنتاجية، وإعادة تأهيل البنية التحتية، وتطوير القطاعات الحيوية كالتجارة والزراعة والطاقة المتجددة، فيما يتطلب المدى البعيد إصلاحات مستدامة تعزز الحوكمة وتحد من الفساد وتوسع مظلة الشمول المالي.

 

واختتم التقرير بالتأكيد على أن غياب السلام وبقاء الوضع الراهن، الذي تفرضه المليشيا الحوثية، يعني مزيدًا من التدهور والعزلة والانهيار، في حين أن المسار البديل - وهو إعادة الدولة وإنهاء الانقسام- لا يزال ممكنًا بدعم محلي ودولي حقيقي.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية