أضاحي سكان الريف.. بين وفرة الماضي وغلاء الحاضر
تقارير وتحليلات
منذ يوم
مشاركة

لم تعد الأضاحي في محافظة لحج، وغيرها من الأرياف اليمنية كما كانت في السابق؛ فبعد أن كانت تُختار من بين المواشي التي يربيها السكان، أصبحت تُشترى بأسعار مرتفعة، ويعود ذلك إلى تراجع تربية المواشي بين المواطنين، بسبب تأثيرات الحرب، والتغيرات المناخية التي تشهدها البلاد.

وتشهد أسعار الأضاحي ارتفاعا كبيرا، لأسباب عدة، على رأسها تراجع تربية الثروة الحيوانية في مختلف المحافظات، وانهيار العملة المحلية، وأصبح لا يستطيع شرائها غير الأغنياء، حيث يبلغ متوسط سعر الأضحية بين 300 إلى 700 ريال سعودي.

ويقول المهندس الزراعي المتقاعد “يونس عبدالرقيب”، إن لحج اليوم لا تشبه لحج قبل 40 عاماً، حيث كانت جنة زراعية تنتشر فيها المحاصيل الزراعية على مدار العام، وكانت الثروة الحيوانية منتشرة بشكل واسع.


مواضيع مقترحة

الثروة الحيوانية.. مصدر الأسر الريفية لمواجهة تحديات المعيشة
الحرب وتغير المناخ يقلّصان الثروة الحيوانية في الضالع
الثروة الحيوانية.. ركيزة اقتصادية مهملة في اليمن


ويضيف عبد الرقيب لمنصة ريف اليمن: “في السابق كانت الثروة الحيوانية متوفرة بكثرة، وكان لا يخلو بيت في الريف من “زريبة” تحتوي أقلها على خمسين رأس أغنام، وتصل الكبيرة منها إلى مائتين رأس أو يزيد، عدا عن الأبقار، وبالنسبة لأهل المدن كانوا يأخذون أضحيتهم من الريف؛ إذ يربون لهم أضاحيهم ويرسلونها إلى المدينة في العيد”.

المناخ وتداعيات الحرب

ويوضح قائلا: “كانت شعيرة الأضحية حدثاً مفروغاً منه، وأمراً يسيراً لجميع الأسر في لحج، عدا عن تربية المواشي وأكلها والبيع والشراء فيها على مدار العام”، لافتا إلى أن “المواشي كانت أفضل من الوقت الحالي، تأكل من المزارع طازجاً، وليس البلاستيك مثل الآن، وذلك بسبب الجفاف والتصحر”.

ويشير عبد الرقيب إلى أن الحقول الزراعية كانت تمتد على مرأى البصر، وكانت الزراعة هدفاً استراتيجياً لليمن، وكان الإنتاج غزيرا وبالتالي الثروة الحيوانية متوفرة، أما الآن فالمقتدر يشتري كبشاً هزيلاً بمبالغ طائلة، والبقية يشترون الدواجن صبيحة يوم عيد الأضحى المبارك.

أضاحي سكان الريف.. بين وفرة الماضي وغلاء الحاضر
مواطن يعرض ماشيته للبيع في سوق الحوطة للمواشي في لحج جنوبي اليمن مايو 2025 (ريف اليمن)

وأدت التغيرات المناخية وتداعيات الحرب -التي تعصف بالبلاد منذ عشر سنوات- إلى تراجع الثروة الحيوانية اليمنية، إذ خلقت عراقيل كثيرة أمام السكان، كتقليص مساحة الرعي نتيجة الألغام أو مناطق التماس، أو نزوح الأسر التي أجبرت على بيع ممتلكاتها من الثروة الحيوانية.

وبحسب بيانات وزارة الزراعة في الحكومة المعترف بها دوليا، فقد تراجع حجم الثروة الحيوانية مقارنة بحجمها قبل الحرب، والتي كانت تقدر بأكثر من 35 مليون رأس ما بين أغنام، وماعز وأبقار وجِمال، وقدَّرت إدارة الإحصاء حجم الثروة الحيوانية لعام 2021 بنحو 20.9 مليون رأس، متوزعة بين أغنام وماعز، وأبقار وجمال.


أدت التغيرات المناخية وتداعيات الحرب التي تعصف بالبلاد منذ عشر سنوات إلى تراجع الثروة الحيوانية وخلقت عراقيل كثيرة أمام المربين وأجبرتهم على العزوف عن التربية


السيدة “أم حميد مليط” استذكرت السنين الماضية، وأكدت أنهم كانوا يمتلكون مئة وخمسين رأسا من الغنم، وبقرتين وثوراً، مشيرةً إلى أنه عند عودة زوجها بالمواشي من المرعى مساء كل يوم كانت تأخذ وقتا طويلا قبيل دخولها الزريبة جميعها نظرا لكثرتها.

وأوضحت مليط خلال حديثها مع منصة ريف اليمن أن “أيام زمان كانت فيها البركة، كنا نقيم الذبائح في الأعياد وغيرها، وباستمرار، وكنا ننوع الطباخات المختلفة، ممروق ومظبى ومحنوذ، ونوزع على جيراننا وأحبتنا، أما الآن فلم نعد نمتلك أي رأس ماشية بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وعدم مقدرتنا على توفير الأعلاف”.

وأشارت إلى أن أسرتها ليست الوحيدة التي فقدت مواشيها واضطرت لبيعها، بل هو حال غالبية الأسر الريفية في لحج، نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية، لافتة إلى أن القدرة على شراء الأضحية المفروضة مرة واحدة في العام في عيد الأضحى أصبحت مستحيلة بسبب ارتفاع أسعارها.

ارتفاع جنوني

أما “محمود الملاح” وهو أحد سكان ريف لحج فيقول: “قبل اندلاع الحرب كنا نشتري الكبش الواحد بنحو 22 ألفاً فقط، أما في الوقت الحالي فقد وصل سعرها إلى نحو 700 ريال سعودي، هذا للمتوسط، وهناك أغنام يصل سعرها حد الألف ريال”.

أضاحي سكان الريف.. بين وفرة الماضي وغلاء الحاضر
راعي اغنام في منطقة الملحة بمديرية تبن بريف محافظة لحج جنوبي اليمن – مايو 2025 (ريف اليمن)

وأضاف الملاح لمنصة ريف اليمن: “في السابق كنا نشتري بهذا المبلغ جملاً أو ثوراً، هذا الارتفاع الجنوني هو ناتج عن التدهور العام الحاصل في البلاد بسبب تداعيات الحرب، الأسعار مرتفعة بجميع متطلبات الحياة، غالبية السكان يعجزون عن توفير تكاليف الأضحية”.

ويؤكد عاقل سوق الحوطة للمواشي “أنيس القعود” ارتفاع الأسعار بشكل مهول، إذ تصل أسعار الماشية إلى 500 سعودي للرأس الواحد، فيما تتفاوت بقية الأسعار، مضيفا أن الماشية الأكثر سعرا هي البلدي، إذ يقبل الناس على شرائها بكثرة.


في ظل الغلاء الكبير، تلجأ بعض الأسر إلى شراء اللحم بالتجزئة، ويصل سعر الكيلو الواحد إلى 22 ألف ريال يمني، في حين تُجبر ملايين العائلات على شراء الدواجن كأضحية


ويرجع القعود أسباب ذلك لعوامل عدة، أبرزها الثقة في المعروض البلدي؛ فمصدره معروف على العكس من الماشية المستوردة التي لا يفضل شراءها الكثير من سكان لحج، ورغم ذلك يبقى سعرها مرتفعاً، ولا يتمكن من شرائها سوى الميسورين، بسبب تكاليف استيرادها نتيجة تدهور العملة المحلية.

وفي ظل هذا الغلاء الكبير، تلجأ بعض الأسر إلى شراء اللحم بالتجزئة، ويصل سعر الكيلو الواحد إلى 22 ألف ريال يمني، في حين تجبر ملايين العائلات على شراء الدواجن، أو انتظار ما ستجود به الجمعيات والمؤسسات وفاعلو الخير.

وتقول الناشطة المجتمعية “هالة مصلح” إن فرحة العيد قد سُرقت من الناس بفعل الارتفاع الكبير في أسعار الأضحية، وتضيف: “خلال عملي بتوزيع أضاحي العيد في العام الماضي كان غالبية المواطنين يفرحون بكيس اللحم المقدم من الجمعيات الخيرية والتجار”.

دعوات لضبط الأسواق

وأكدت خلال حديثها لمنصة ريف اليمن، أن أضحية العيد ليست مجرد كيلوجرامات معدودة من اللحم يتناولها المسلم، بل هي شعيرة إسلامية تظهر الاحتفال والبهجة بالعيد للصغار قبل الكبار، لكن مع الأسف كل ذلك أصبح من الماضي.

أضاحي سكان الريف.. بين وفرة الماضي وغلاء الحاضر
أغنام ترعي في إحدى مناطق جبل حبشي غربي محافظة تعز وسط اليمن – مايو 2025 (ريف اليمن)

ودعت هالة “كافة الجمعيات والمؤسسات إلى مضاعفة الجهود هذا العام؛ لأن عدد الأسر الفقيرة قد تضاعف، ولا يقدرون على الخروج إلى الشارع للتسول وطلب المساعدة، لذلك يجب علينا أن نتلمس أحوالهم عن قرب”.

أما تاجر المواشي “عزيز الدبعي” فيدعو إلى ضبط سوق الماشية، وتعزيز الرقابة الإدارية في السوق من قبل الغرفة التجارية الصناعية بالمحافظة، وإعادة الاهتمام بالزراعة في لحج من خلال اتباع طرق ري حديثة تستهلك مياهاً أقل، وتستصلح أكبر قدر من الأراضي الزراعية.


دعوات إلى ضبط سوق الماشية وتعزيز الرقابة الإدارية، وتوسيع دائرة القروض الميسرة لصغار ملّاك الماشية حتى يتمكنوا من استعادة نشاطهم في تربية الماشية


وأكد الدبعي لمنصة ريف اليمن أهمية توسيع دائرة القروض الميسرة لصغار ملّاك الماشية، ودعمهم وتوحيد سعر الأضاحي في الأسواق قدر الإمكان، وحماية المواطنين من جشع بعض التجار، وتعزيز التكافل الاجتماعي بين الناس والتراحم.

وتعتبر تأثيرات التغيرات المناخية الأسباب الرئيسية وراء ارتفاع أسعار الأضاحي والماشية في محافظة لحج؛ حيث أدت الظواهر المناخية المتطرفة لارتفاع حاد في درجة الحرارة، وتراجع الغطاء النباتي والمساحات الزراعية.

وارتفعت نسبة التصحر باليمن من 90% عام 2015 إلى 97% عام 2022 بحسب تقرير صادر عن جمعية رعاية الأسرة اليمنية عام 2023 م، كما لفت تقرير دولي إلى أن نسبة العجز في الثروة الحيوانية باليمن قد بلغ 14 مليون رأس ماشية، كما أثر الاحتطاب الجائر على الزراعة، بشكل يهدد المستقبل الزراعي في محافظة لحج.

The post أضاحي سكان الريف.. بين وفرة الماضي وغلاء الحاضر first appeared on ريف اليمن.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية