قراءة في كتاب رؤية اليمن بين حبشوش وهاليفي
Civil
3 hours ago
share

دعونا نسأل: ما أهمية أن تقرأ كتاب رؤية اليمن بين حبشوش وهاليفي؟ بمعنى، دعونا نفكر بعقلية الرجل الذي قرأ تقرير هاليفي عن اليمن، وقرأ تقرير حبشوش عن اليمن، ووجد أنه من الجيد الكتابة حول هاتين التجربتين.

كتاب رؤية اليمن بين حبشوش وهاليفي، الصادر عن

مركز الدراسات والبحوث اليمنية، هو

تقرير حول بعثة أثرية قام بها يهودي قادم من فرنسا إلى اليمن، جاء بحثًا عن النقوش الأثرية، هذا في ظاهر الرحلة، ولكن باطنها شيء آخر كما يقول بعض المثقفين اليمنيين الذين قرأوا هذا الكتاب، وتابعوا خط سير الرحلات الاستكشافية التي قام بها مستشرقون جاءوا من دول أوروبية.

تبدأ الرحلة عند مستشرق أجنبي اسمه جوزيف هاليفي، استطاع الحصول على توكيل وتمويل من أكاديمية النقوش والفنون الجميلة الفرنسية، ليكون مبعوثها في مهمة تاريخية لفك رموز اللغة اليمنية القديمة. سافر على الفور إلى اليمن باسم مستعار هو يزيد لبيب عاطف، وقدم إلى صنعاء في العام 1869.

لم يقم هاليفي بالمهمة الاستكشافية وحده، كونه غريبًا على بلاد ذات تضاريس معقدة، فقد استخدم حاﻳﻴﻢ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﺳﺎﻟﻢ ﺍﻟﻔﺘﻴﺤﻲ، ﺍﻟﻤﻠﻘﺐ ﺑﺤﺒﺸﻮﺵ، وهو ﺗﺎﺟﺮ ﻧﺤﺎﺳﻴﺎﺕ ﻭﻣﺆﺭﺥ ﻳﻤﻨﻲ ﻋﺎﺵ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ، ﺃﺻﺒﺢ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺣﺎﺧﺎﻣﺎً ﺫﺍ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻛﺒﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻤﻦ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻣﻀﻰ ﺷﺒﺎﺑﻪ ﻳﺠﻨﻲ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺃﺟﺮﺗﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻘﺎﺑﻞ هذه الرحلة الأثرية برفقة جوزيف هاليفي.

جاءت هذه الرحلة الاستكشافية في سياق سياسي عالمي متغير، يقول يحيى علي الإرياني في مقدمة كتاب رؤية اليمن:

“وقد تمت رحلة هاليفي إلى اليمن أثناء الإعداد للمؤتمر الصهيوني العالمي بزعامة هرتزل، ذلك المؤتمر الذي انعقد في بازل عام 1891، وبالتالي فقد كان البحث عن فكر سياسي سامي نقي، هو كنز الصهيونية الضائع، وهو دعواها وادعاؤها. ومن هنا يتضح أن مهمة هاليفي كانت صهيونية إن لم تكن أوروبية استعمارية.”

لكن الغريب والمدهش للكثير من الباحثين والقراء في اليمن، أنه وبعد انتهاء الرحلة الاستكشافية وعودة جوزيف هاليفي إلى فرنسا، نشر هاليفي تقريرًا مفصلًا عن رحلته إلى اليمن بعنوان رحلة استكشافية أثرية في اليمن، استعرض فيه كل النقوش الأثرية التي نسخها وترجمها. لكن جاءت رؤيته في التقرير مرتهنة لقناعة مسبقة ومنحازة ضد ما هو عربي وإسلامي كما يقول الإرياني. والغريب أنه لم يذكر دور حبشوش إلا لمامًا وفي معرض مبخوس، وكأنه تقصد تهميشه، حيث وصفه بكونه “مهووس جاء للبحث عن قبور كهنة يهود قدماء في الجوف.” بالرغم من أن حبشوش قام بنسخ كل النقوش الأثرية التي رصدها هاليفي في رحلته، باستثناء نقوش معبد بنات عاد، حيث رأى هاليفي أنه يجب أن ينسخ هذا النقش بنفسه لأهميته.

لكن بعد فترة، يأتي “جلاسر النمساوي” إلى اليمن، ويطلب من حبشوش وصف رحلته مع هاليفي، ويعيد حبشوش وصف رحلته بحذافيرها، حتى التفاصيل يتذكرها بدقة وتواضع. وبعد مرور 23 سنة على رحلة جوزيف هاليفي إلى اليمن عام 1870، كتب حاييم حبشوش رؤيته الشخصية لهذه الرحلة.

تقول سامية نعيم صنبر في مقدمة تقرير رحلة اليمن لحبشوش:

“منذ مئة سنة، كتب حبشوش صفحات كتابه المتميز إزاء كتاب هاليفي، عن رحلته اليمنية. ومن هذا الزمن البعيد، كشف حبشوش ـ وهو يهودي آخر كجوزيف هاليفي ـ عن نظرة مخالفة تسندها الوقائع والبراهين لرؤية هاليفي.”

بدأ خط سير الرحلة، من البوابة الشمالية لصنعاء، طريق شعوب، الجراف، الرحبة، الروضة، أرحب، وبلاد نهم. تابعوا المسير نحو الجوف، ثم نجران، ثم عادوا إلى مأرب، وبعدها إلى صنعاء مرة أخرى.

يذكر حبشوش أن هاليفي كان يكلفه بالذهاب للبحث عن النقوش لمدة ثلاثة أيام، ويذهب هاليفي في طريق آخر للتواصل مع العائلات اليهودية، الأمر الذي يرشح الشكوك حول أن الرحلة لها ارتباط بموضوع بناء دولة يهودية في فلسطين.

في مقالة للكاتب حسن الدولة، يقول: “بلغ عدد النقوش التي نسختها رحلة حبشوش وهاليفي 685 نقشًا يمنيًا من 37 موقعًا سبئيًا، ﺃﻱ ﺃﻧﻬﻢ ﻗﺎﻣﻮﺍ ﺑﻨﺴﺦ ﻣﺎ ﻧﺴﺒﺘﻪ ﺗﺴﺎﻭﻱ %99 ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﺍﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ، ﻭﻋﺪﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺿﻌﻒ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﺍﻟﻔﻴﻨﻴﻘﻴﺔ، ﻭﻳﺘﻔﻮﻕ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﺩ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ.”

يذكر حبشوش في تقريره المكتوب باللهجة العامية المحلية، أن هناك ثلاثة أنهار تحيط بصنعاء، وهي: “سردد” من الغرب، “النبعة” من الجنوب، و”الخارد” من الشمال.

ويذكر هاليفي أنه راح يتتبع نهر الخارد من بدايته في منطقة شرعة في أرحب، إلى المنبع في صحراء الجوف. ولقد استغرب كيف يخرج نهر من وسط صحراء قاحلة، وبعد فحص وتدقيق، تأكد هاليفي بأن هذا النهر هو ذاته الذي ذكره المؤرخ الجغرافي اليوناني سترابون، والذي قال إن الحملة الرومانية إلى اليمن توقفت عنده في القرن 25 ميلادية.

على بعد 100 كم من صنعاء، على الضفة اليسرى من نهر الخارد تحديدًا، وجد حبشوش وهاليفي معبدًا مدفونًا تحت الأرض، تبرز أجزاؤه العلوية فوق سطح الأرض. لم يتمالك هاليفي نفسه من الفرح، وبحسب باحثين، فإن ما عثروا عليه هو معبد الإله “عثتر” الذي يعود إلى ما قبل القرن الثامن قبل الميلاد.

ومن الأشياء الغريبة في تقرير حبشوش، تحدث عن جماعات سكانية يمنية غريبة، تختلف عن جماعات اليوم، تسمى بـ”مجتمع القرار”، ويسمى الفرد منهم بـ”القروي”.

يصفهم حبشوش بأنهم طبقة اجتماعية ليست لها صلة نسب بالقبائل اليمنية، يقول حبشوش بلهجة محلية:

“لا هم مسلمين، ولا يناسبوهم، ولا يلقوا في ملاقيهم، ولا يدخلوا في محاربهم، ولا يقدروا يسكنوا في مساكن إلا إذا كانوا متجاورين مثل اليهود”.

يذكر الكاتب شهاب الأهدل: “إن رحلة حبشوش وهاليفي قصة مثيرة للاهتمام، وباعثة على التساؤل، ويكتنفها الكثير من الغموض، وتزيد أهمية البحث عن قصتهما لكونهما من طليعة الباحثين الذين وطئت أقدامهم المدن والمعابد السبئية التي نعرفها اليوم.”

وهذا يعد كافيًا للإجابة عن السؤال الذي طرحته في بداية المقالة.

The post قراءة في كتاب رؤية اليمن بين حبشوش وهاليفي appeared first on يمن مونيتور.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows