
أعادت واقعة ضبط شحنة سلاح إيرانية ضخمة، الأربعاء الماضي، على يد قوات المقاومة الوطنية في الساحل الغربي، التذكير بالحقيقة التي لطالما جرى التغاضي عنها: الشكوك العميقة حول جدية مليشيا الحوثي في الانخراط بسلام حقيقي، وما إذا كانت الهدن والمسارات السياسية بالنسبة لها ليست سوى أدوات خداع وتكتيك مرحلي.
الشحنة التي تجاوز وزنها 750 طنًا من الأسلحة النوعية لا تمثل مجرد انتهاك جديد لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بحظر توريد السلاح لليمن، بل تشكّل صفعة صريحة لجهود الأمم المتحدة ومساعي إحياء العملية السياسية المتعثرة.
يناقش هذا التحليل أبعاد هذه الشحنة وتوقيتها، ويستعرض علاقتها بالاستراتيجية الإيرانية في اليمن، لنفهم كيف يشكل استمرار الدعم العسكري عائقا أمام عودة الاستقرار لليمن بما في ذلك البحر الأحمر.
أبعاد الشحنة الأخيرة
لم يكن ضبط شحنة الأسلحة مجرد حادثة أمنية عابرة، بل شهادة دامغة على استمرار التهريب الإيراني إلى الحوثيين، في تحدٍ سافر للتعهدات والقرارات الدولية مثل القرار رقم 2216، كما تمثّل دليلاً إضافياً على ازدواجية السلوك الإيراني، الذي يجمع بين الإنكار العلني والدعم الخفي المتواصل، في إطار استراتيجية ممنهجة لإبقاء الصراع مشتعلاً وزعزعة أمن المنطقة.
هذه الكمية الضخمة من الأسلحة تعني أن الحوثيين باتوا يمتلكون قدرة متنامية على تنفيذ عمليات عسكرية أكثر دقة وفتكاً، تستهدف ليس فقط الجبهة الداخلية في اليمن، بل تتجاوز ذلك إلى دول الجوار والمنطقة. إن تنوع وتعقيد الأسلحة المصادَرة يعكس وجود شبكة تهريب إقليمية عالية التنظيم تعمل خارج إطار القانون الدولي، وتستخدم طرقاً بحرية وبرية معقدة لضمان وصول هذه الشحنات إلى أيدي الحوثيين، مما يعكس حجم الاستثمار السياسي والعسكري الذي توظفه طهران في مشروع الحوثيين، والذي لا يهدف سوى إلى تقويض استقرار المنطقة وتوسيع نفوذها الجيوسياسي.
تشير المعلومات التي نشرتها المقاومة الوطنية إلى أن الشحنة شملت: منظومات صاروخية بحرية وجوية، ومنظومات دفاع جوي، ورادارات حديثة، وطائرات مسيّرة استطلاعية وهجومية مع منظومات إطلاق، بالإضافة إلى أجهزة تنصّت واستخبارات ميدانية، وصواريخ مضادة للدروع، مدفعية B10، عدسات تتبّع حرارية، قناصات، ذخائر، ومتفجرات متنوعة.
وتؤكد طريقة تهريب هذه الأسلحة أنها على درجة عالية من الاحتراف والتمويه، إذ تم تفكيكها وإخفاؤها داخل مولدات كهربائية، ومكائن صناعية، ومضخات هواء، في حين وُضعت الذخائر داخل أجسام بطاريات مصنّعة بعناية لعدم إثارة الشكوك. ناهيك عن أن الأخطر هو أن مسار التهريب كان غرب الممر الملاحي الدولي في البحر الأحمر، وهي منطقة حيوية للملاحة العالمية، ما يُنذر بعواقب تتجاوز اليمن إلى الأمن البحري الدولي.
كل طن من هذه الشحنة يعني مزيداً من الضحايا، والدمار، وتوسّعاً في النزوح، واستمراراً للكارثة الإنسانية التي يعيشها اليمنيون والتي تُوصف بالأكبر في العالم، بحسب الأمم المتحدة.
استمرارية الدعم الإيراني
إن استمرار تدفّق السلاح الإيراني إلى مليشيا الحوثي بهذه الكثافة والانتظام يمثّل الدليل الأقوى على أن الجماعة لا تمتلك أي نية حقيقية نحو السلام، ولا تعترف بمبدأ التفاوض، ولا تؤمن بالتعايش الوطني كأرضية لحل الأزمة.
رغم كل المبادرات الدولية، والهدن، بما في ذلك تلك القائمة منذ 2022، ومحاولات بناء الثقة، ما زال الحوثيون يراهنون على القوة المسلحة كأداة لفرض أجندتهم السياسية والمذهبية، معتمدين على الإمداد المستمر من السلاح والتمويل الإيراني.
المنطق السياسي البسيط يقول إنه لو كانت الجماعة جادة فعلاً في الانخراط السياسي، لكانت أوقفت التصعيد العسكري، وشاركت بمرونة في العملية السياسية، وتخلّت عن اعتمادها شبه الكامل على العنف المنظم والمدعوم خارجياً. لذلك فإن اعتمادها على القوة العسكرية يعبّر عن رفضها العميق لفكرة الشراكة الوطنية، وتطلّعها لفرض مشروع أحادي بالقوة، وهو ما يناقض كل أسس الديمقراطية والتعايش، ويجعل من أي حل سياسي في المستقبل مجرد وهم يصطدم بجدار السلاح المهرّب.
من جانب آخر، يمثل الدعم الإيراني عقبة كبرى أمام أي جهود دبلوماسية جادة، ذلك أن الميليشيات المسلحة التي تحصل على إمداد مستمر لا تجد دافعاً للانخراط في مفاوضات حقيقية أو تقديم تنازلات، لأنها تؤمن بأنها قادرة على فرض واقعها بقوة السلاح.
أضف إلى ذلك أن هذا التهريب يشكّل خرقاً سافراً لقرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 2216 الذي ينص صراحة على حظر توريد السلاح للحوثيين، وقرار الولايات المتحدة الذي صنّفهم كجماعة إرهابية.
طرق التهريب المعقّدة
أثبتت عمليات ضبط شحنات السلاح أن الحوثيين يعتمدون على شبكات تهريب منظّمة ومعقّدة تمتد من إيران إلى البحر الأحمر، مروراً بخليج عدن وبحر العرب، وتستفيد من ضعف الرقابة على بعض الموانئ والجزر.
لم تتوقف هذه الشبكات عن العمل خلال السنوات الماضية، بل تصاعد نشاطها مؤخراً بالتوازي مع تصعيد الحوثيين البحري واستهدافهم الممنهج للملاحة الدولية.
تبدأ عملية التهريب عادة من ميناء بندر عباس أو ميناء جاسك الإيرانيين، حيث تُنقل الشحنات على متن سفن تجارية أو صيد، ثم تُسلَّم في عرض البحر إلى وسطاء يمنيين تابعين للحوثي. تتولى عناصر حوثية أو مرتبطة بها مهمة التغطية، مثل الصيادين في الجزر الإريترية الذين يستخدمون قواربهم في نقل السلاح، أو عناصر الحوثي الذين ينتحلون صفة خفر السواحل ويوفّرون المسارات الآمنة لإدخال الشحنات إلى ميناء الحديدة.
هذه الشبكات المعقّدة تجعل من الصعب جداً على القوى الإقليمية والدولية رصد كل حركة، مما يمنح الحوثيين قدرة شبه مستمرة على إعادة بناء وتحديث ترسانتهم العسكرية.
التحديات على مستقبل اليمن
إن استمرار تدفّق الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين يشكّل تهديداً وجودياً لليمن، وخطراً متعاظماً على استقرار المنطقة والأمن البحري الدولي.
في الداخل اليمني، تعني هذه الأسلحة تصاعداً في القصف، وتهجيراً قسرياً للمدنيين، وتدميراً للبنية التحتية، وتعميقاً للأزمة الإنسانية التي تُصنّف ضمن الأسوأ عالمياً.
أما على الصعيد الإقليمي، فإن استخدام هذه الأسلحة في استهداف الملاحة في البحر الأحمر والمنشآت الحيوية في الخليج، يضع اقتصاد المنطقة والعالم أمام مخاطر جسيمة، لا سيما في ظل اعتماد التجارة العالمية على هذه الممرات البحرية.
التحدي أمام المجتمع الدولي لم يعد مقتصراً على وقف شحنات السلاح، بل أصبح ضرورة للضغط الجاد على إيران لوقف دعمها العسكري المباشر وغير المباشر للحوثيين، وفرض تدابير فعالة على الجماعة لإجبارها على الدخول في عملية سياسية جادة وشاملة.
من دون تجفيف هذا الدعم الإيراني، ستبقى كل مبادرات السلام محاولات مؤقتة سرعان ما تنهار تحت وقع البنادق المهرّبة.
في المجمل، يعكس الدعم الإيراني المستمر للحوثيين رهاناً استراتيجياً طويل الأمد على هذه الجماعة كمخلب إيراني متقدّم في جنوب البحر الأحمر، بعد تراجع أذرع طهران في سوريا ولبنان.
وهذا يشير إلى أن الانخراط الشكلي للحوثيين في المسارات السياسية لا يعدو كونه تكتيكاً مرحلياً، هدفه كسب الوقت وتعزيز الموقع العسكري، لا القبول الحقيقي بالسلام.
أمام هذا الواقع، يتعيّن على المجتمع الدولي اتخاذ تدابير أكثر صرامة لردع الجماعة وكبح قدراتها، بدءًا من تشديد الحظر البحري، مروراً بالعقوبات على الأفراد المتورطين، وصولاً إلى دعم المسار العسكري إذا استدعت الضرورة.
Related News
