التفكُّك القَبَلي في شبوة يؤجِّج الصراع على الصعيد الوطني
Reports and Analysis
11 hours ago
share

مع استمرار تطوُّر الصراع في اليمن، أصبح الصراع على النفوذ في الجنوب مرتبطًا بشكلٍ وثيقٍ بالديناميكيات القَبَلية المحلية. وفي محافظة شبوة، برز تناقُضٌ جوهري؛ إذ تشير آمال عبد الله إلى أن الهياكل القَبَلية نفسها، التي نجحت في توفير الأمن والنظام على المستوى المحلي، أصبحت الآن المحرِّك الرئيسي لعدم الاستقرار والصراع على مستوى المحافظة، وفي نهاية المَطاف على الصعيد الوطني. ويرجع ذلك إلى التفكُّك القَبَلي الذي تفاقم بسبب الجهات الفاعلة، الداخلية والخارجية، للسيطرة على ثروة شبوة من الموارد الهيدروكربونية.

النظام المحلي وسط الفوضى الإقليمية

أدَّى الصراع الدائر في اليمن إلى تقويض مؤسسات الدولة الرسمية، مما أسفر عن عودة ظهور أنظمة حُكم أكثر تقليدية وقدرة على الصمود. ففي المحافظات الجنوبية، مثل شبوة، استأنفت القبائل دورَها كجهاتٍ رئيسية مسؤولة عن الأمن والعدالة. وقد أثبتت القبائل أنها ليست مجرد إرثٍ قديمٍ عديم الفعالية، بل كياناتٌ سياسية ديناميكية ومصدرٌ للأمن. غير أنَّ القبائل، إلى جانب كونها مصدرًا للنظام، تُعَد أيضًا من العوامل المحرِّكة للصراع. وكشف استطلاعٌ، أجراه المركز اليمني للسياسات، عام 2024، حول تصوُّرات الجمهور اليمني للأمن، ومواقفه تجاه القطاع الأمني، أن هذا الدور المزدوج يتجلَّى بوضوحٍ في محافظة شبوة، التي يُعتبر مصيرها محوريًّا لمستقبل اليمن. وفي الواقع، اشار 21% من السكان المحليِّين في شبوة، أن القبائل هي الجهات الفاعلة الأكثر إيجابية، بينما اعتبرها 8% الأكثر سلبية، مما يسلِّط الضوء على التبايُن العميق في النظرة إلى القبائل، ودورها المعقَّد في الاستقرار المحلي.

على الرغم من الفوضى التي تعم المحافظة، تؤدي قبائل شبوة دورًا أساسيًّا في حفظ الأمن، على مستوى المديريات والعزل. تعمل هذه القبائل داخل أراضيها الخاصة ككياناتٍ شبيهة بالدول، معتمِدة على أنظمة حُكمٍ راسخة ومتجذِّرة. ومن الأمور الأساسية في هذا الصدد، النظام المتطور للقانون العُرفي، المعروف باسم «العُرف»، وهو إطارٌ للعدالة غالبًا ما يُثبِت فاعليته وتفوقه على النظام القانوني للدولة، من حيث السرعة والكفاءة. فمن خلال العُرف، تدير القبائل النزاعات، وتطبِّق البروتوكولات الأمنية، وتوفِّر قدرًا من الاستقرار، وإمكانية التوقُّع في الحياة اليومية.

تتجلَّى فعالية هذا النظام التقليدي بوضوحٍ؛ حيث أفاد غالبية سكان شبوة (32%)، ومعظمهم من المناطق الريفية، أن شيوخ القبائل هم أول مَن يستجيب للحوادث الأمنية، متفوقين على الشرطة وقوات الأمن الرسمية (24%). ويعتقد عددٌ كبير من المشاركين في الاستطلاع (17%) أن القبائل وتقاليدها هي الضامن الرئيسي للقانون والنظام، مقارنةً بالسُّلطة القضائية الرسمية (13%) ، أو المؤسسات الأمنية (11%). وهذا لا يبرهن فقط على قدرة القبائل القوية على إدارة مناطقها الخاصة، حتى في ظل الانقسامات القَبَلية، التي تُسهم في زعزعة الاستقرار على نطاقٍ أوسع، بل يدل أيضًا على أنَّ سكان شبوة يفضِّلون أن تؤدي القبائل هذه الأدوار.

تفاقم التفكُّك القَبَلي بفعل التنافس على الموارد

ومع ذلك، فإنَّ الهياكل القَبَلية في شبوة تُخفي مشكلةً أعمق. فالسبب الجذري لعدم الاستقرار في المحافظة يعود إلى طبيعتها القَبَلية المفكَّكة بشدة، على عكس المحافظات الأخرى، التي قد تتميَّز بوجود قبيلة مهيمنة أو اتحاد قَبَلي متماسك، كما هو الحال في حضرموت، التي توحدت قبائلها تحت مظلَّتَين واضحتَين: حِلف قبائل حضرموت في منطقة الساحل، او مرجعية قبائل حضرموت في الوادي والصحراء. وعلى الرغم من أن أحد التحالفين مرتبط بالحكومة اليمنية، والآخر بالمجلس الانتقالي الجنوبي، فإنهما يتَّحدان، في المقام الأول، تحت مظلة الهُوية الحضرمية، ويتجلَّى ذلك في رفض مؤتمر حضرموت الجامع، ومرجعية قبائل حضرموت في الوادي والصحراء، المشاركة في اللقاء التشاوري، الذي دعا إليه المجلس الانتقالي الجنوبي للمكونات الجنوبية، وكذلك في الاجتماع الذي عُقد بين زعيمَي التحالفَين القبليَّين، عبد الله صالح الكثيري وعمرو بن حبريش. ومن الجدير بالذكر أن محافظة مأرب تقدم أيضًا نموذجًا للحُكم المتماسِك الذي يشمل القبائل، إلا أن هذا النموذج يقوم على توحيد القبائل من خلال احتكار موارد المحافظة، وتقديم الرعاية السياسية، باعتبارها شكلًا من أشكال العقد الاجتماعي.

تتكوَّن شبوة من قبائل متعددة، من بينها مجموعاتٌ بارزة مثل قبيلة العوالق، وهي كبرى قبائل المحافظة، بالإضافة إلى قبائل أصغر مثل بني هلال، والمصعبي، وبلحارث، وآل سعد، وحِمْيَر، ونعمان، وبلعبيد. وعلى الرغم من أن هذه القبائل تتمتَّع بنفوذٍ داخل نطاقها الجغرافي الخاص، فإنه لا توجد جهة واحدة منفردة تمتلك السلطة، أو القدرة على تمثيل المحافظة، أو قيادتها، ككيانٍ موحَّد. فلا توجد سُلطة قَبَلية أو رسمية شاملة قادرة على توحيد هذه الجماعات المتباينة، تحت أجندة سياسية واحدة. وقد استغلت جهاتٌ فاعلة على المستوى الوطني هذه الثغرة الحرجة باستمرارٍ، مما ساهم في خلق بيئة مهيَّأة للتلاعُب والصراع العنيف، ولا سيما أن شبوة تُعَد ثالث أكبر محافظة في اليمن، وتضم حقول نفط حيوية، وخطوط أنابيب مهمة، والأهم من ذلك محطة بلحاف للغاز الطبيعي المسال. وإلى جانب الموقع الجغرافي للمحافظة على الحدود مع مأرب، فإن هذا يجعل شبوة ذات أهمية استراتيجية. وبالتالي، فإن السيطرة عليها هدفٌ حيوي لجميع الأطراف الرئيسية في النزاع.

في الواقع، أدَّت الإيرادات الضخمة، والنفوذ الاستراتيجي المستمَد من موارد النفط، إلى تحويل المحافظة إلى ساحة معركة، بين حكومة اليمن والمجلس الانتقالي الجنوبي؛ حيث يسعى كلُّ طرفٍ لتحقيق استقراره المالي من خلال تأمين الوصول إلى هذه الموارد. وهذا التنافُس الشديد بين الفاعلين الوطنيين على النفوذ والسيطرة هو ما يوجِّه ولاءات القبائل المحلية. فالولاء القَبَلي لا يُعَد مجرد ميزة سياسية، بل ضرورة استراتيجية للجهات الوطنية الفاعلة المتشرذمة، الساعية إلى تحقيق الاستقرار، من خلال مؤسساتها التابعة، وفي الوقت نفسه زعزعة استقرار خصومهم، من خلال ضمان احتكارها للموارد الاقتصادية الحيوية. ونتيجة ذلك، اعتمدت الجهات الفاعلة على المستوى الوطني، وفي مقدمتها الحكومة اليمنية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، استراتيجية «فرِّق تسُد»؛ حيث تستغل الانقسامات القَبَلية، من خلال تقديم الرعاية السياسية والموارد للقادة المتنافسين، مقابل الولاء السياسي. وفي ظل غياب كيانٍ سياسي موحَّد أو كتلة قَبَلية، تتحوَّل القبائل إلى أدواتٍ أو وكلاء في صراعٍ على السُّلطة على المستوى الوطني، مما يدفعها إلى التنافُس فيما بينها للحصول على الموارد الضرورية لتلبية احتياجات مجتمعاتها.

تجعل هذه الديناميكية من الهياكل القَبَلية نفسها، التي تضمن الأمن داخل نطاقها المحلي، عوامل فوضى على مستوى المحافظة. فالمشهد القَبَلي المتفكك في محافظة شبوة، الذي يفتقر إلى أي سُلطة موحَّدة، يجعلها عُرضة بشكلٍ كبيرٍ للتنافس الداخلي بين القبائل المختلفة، فضلًا عن استغلالها من قِبَل الجهات الفاعلة الوطنية. وفي ظل غياب الخدمات الحكومية، وأحداث مثل الهجوم الحوثي على ميناء الضبة النفطي في حضرموت، يتنافس زعماء القبائل فيما بينهم للحصول على الموارد في شكل رعاية سياسية، بهدف تلبية احتياجات أفراد قبائلهم، مما يكرِّس حلقة مفرَّغة من العنف، تحاكي المشهد السياسي على المستوى الوطني.

دعم القبائل في حضرموت محور أساسي للأمن المحلي والوطني الفعال

يبرز الدور الحاسم للهياكل القَبَلية في تحديد النتائج الأمنية بشكلٍ واضحٍ عند مقارنة شبوة بجارتَيها، حضرموت ومأرب. في حين أنَّ كلتا المحافظتَين غنيَّتان بالموارد، وتتميزان بدرجةٍ عالية من التماسُك، فإن حضرموت تتميَّز بحلف قبائل وادي وساحل حضرموت، ومنافسته الصحية في إطار مؤتمر حضرموت الجامع، الذي يجمع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، إلى جانب القبائل، تحت مظلَّة واحدة. وفي المقابل، تمكَّنت مأرب من تحقيق الاستقرار عبر نظام رعاية سياسية يديره حزب الإصلاح. يمكن لكلٍّ من حزب الإصلاح، ومؤتمر حضرموت الجامع، حشد قبائل عديدة تحت قيادة واحدة: حضرموت تحت أجندة سياسية موحَّدة، «حضرموت أولًا»، ومأرب تحت قيادة سلطان العرادة. وهذا التماسُك يتيح لهما العمل بشكلٍ استراتيجي ككتلة موحَّدة، مما يمكِّنهما من التفاوض مع الحكومة المركزية حول حقوق الموارد، بل وطرد الجماعات المتطرفة من المدن الكبرى. إن هذه القدرة على تشكيل جبهة إقليمية جماعية هي بالضبط ما تفتقر إليه شبوة؛ مما يؤكد أن الانقسام الداخلي في شبوة هو المتغير الرئيسي الذي يؤدي إلى نتائج متباينة وأكثر عنفًا.

علاوة على ذلك، فإن الهياكل القَبَلية التي توفِّر الأمن الضروري والمحلي، هي نفس القبائل التي يتم استغلال تفكُّكها لتأجيج الصراع على مستوى المحافظة بأكملها. وتضمن القيمة الهائلة للموارد الهيدروكربونية في المنطقة أن الجهات الخارجية ستواصِل اتِّباع استراتيجية «فرِّق تسُد» بلا هوادة. وفي حالة حضرموت، قد يتحوَّل هذا النهج إلى نموذجٍ تنافسي نظرًا إلى هُويتها المتماسكة، وأجندتها السياسية، وتكتُّلاتها القَبَلية الأكبر. أما في سياق شبوة، يحُول هذا دون ظهور جبهة شبوانية مشتركة، نظرًا إلى غياب التكتُّلات القَبَلية الأكبر، مما يجعل التنافس بين القبائل مدمِّرًا. وبالتالي، تتحوَّل القبائل من حُماة محليِّين إلى وكلاء في حربٍ أوسع نطاقًا، مما يقوِّض ثقة العامة، ويخلق بيئة أمنية فوضوية؛ لذا فإن أي مسارٍ قابل للتطبيق نحو سلامٍ دائمٍ لا بد أن يعالِج هذا التحدي الهيكلي الأساسي.

بناءً على ذلك، ينبغي للفاعلين على المستوى الوطني، مثل الحكومة اليمنية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، أن يتحوَّلوا من استراتيجيات الحُكم غير المستدامة، إلى تعزيز حوارٍ شاملٍ على مستوى محافظة شبوة. ويجب عليهم أن يدركوا أن السيطرة الدائمة لا يمكن تحقيقها من خلال التلاعُب، وأن دعم هيكل محلي متماسِك على مستوى المحافظة يجمع القبائل ضمن هياكل حُكم رسمية، هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في موارد شبوة الهيدروكربونية، بما يخدم اليمن ككل. وفي الوقت ذاته، يجب على زعماء القبائل الشبوانية العمل على إنشاء مجلسٍ، أو تحالُف قَبَلي، على مستوى المحافظة، مستلهمين من نجاح مؤتمر حضرموت الجامع في حضرموت. ويجب أن يهدف هذا الكيان إلى إنشاء منصَّة موحَّدة للتفاوض مع الجهات الخارجية الفاعلة بصوتٍ واحدٍ، مع إعطاء الأولوية للمصالح الاقتصادية والأمنية الجماعية لأبناء شبوة، بدلًا من الانجرار وراء المنافِع قصيرة الأمد، التي توفرها الرعاية السياسية الخارجية.

آمال عبد الله محلِّلة وباحثة، انضمَّت إلى المركز اليمني للسياسات في عام 2021. كتبت آمال تقارير سياسات حول التماسُك الاجتماعي والنازحين والقطاع غير الربحي، ونشرت مقالاتٍ حول موضوعات، تشمل ريادة الأعمال النسائية، وتمكين المرأة، والتعليم العالي. وتركِّز اهتماماتها على قضايا التنمية، والاقتصاد الأسري، وتمكين المرأة، والمساواة بين الجنسَين. وقد عملت سابقًا في قطاع التعليم، وهي حاصلة على درجة الماجستير في اقتصاديات التنمية من معهد الدوحة للدراسات العُليا.

المانح:
مشروع الشراكة من أجل السلامة المجتمعية، بتمويل من الاتحاد الأوروبي.
التحرير:
مرايكا ترانسفيلد وجاتندر بادا
الترجمة:
إيناس التركي

The post التفكُّك القَبَلي في شبوة يؤجِّج الصراع على الصعيد الوطني appeared first on Yemen Policy Center.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows