
في محاولة لتحريك عجلة الاقتصاد المتعثرة، أصدرت الحكومة السورية مؤخراً المرسوم التشريعي رقم 114 لعام 2025، المعدّل لقانون الاستثمار السابق، مشيرة إلى أنه يمثل دفعة قوية باتجاه جذب المستثمرين وتعزيز بيئة الأعمال. إلا أن الطريقة التي تم بها إقرار المرسوم، من دون الرجوع إلى السلطة التشريعية، تطرح تساؤلات جدية حول التزام السلطات بمبادئ الشفافية والمساءلة، في وقت تعاني فيه البلاد أزمة ثقة مؤسساتية مزمنة.
وينصّ القانون الجديد على حماية حقوق المستثمرين من الحجز الاحتياطي ونزع الملكية، كما يتيح اللجوء إلى التحكيم الدولي لحل النزاعات، وهي تعديلات تهدف إلى طمأنة المستثمرين. غير أن هذه البنود ما تزال تواجه شكوكًا حول قابليتها للتطبيق الفعلي، ولا سيما في ظل ضعف استقلالية القضاء وتردّي الإدارة العامة.
اللافت في القانون الجديد هو اتساع رقعة الحوافز الضريبية والجمركية، إذ يُعفى المستثمرون بشكل دائم من ضريبة الدخل في مشاريع الإنتاج الزراعي والحيواني، كما تُمنح تخفيضات تصل إلى 80% للمشاريع الصناعية والطبية، ولتلك الواقعة في المناطق التنموية المستهدفة. كذلك أُعفيت مستوردات الآلات وخطوط الإنتاج من الرسوم الجمركية بالكامل.
تطور نص الاستثمار ومحدودية التطبيق
بين القانون السابق (المرسوم رقم 8 لعام 2007) والقانون الجديد المعدّل، تتبدى فروقات جوهرية في الضمانات والبنية المؤسساتية. فبينما اكتفى القانون القديم بإعفاءات ضريبية وجمركية محدودة وضمانات عامة، توسّع القانون الجديد في حماية حقوق المستثمرين بشكل أوضح، مع آليات زمنية صارمة لمعاملات التراخيص عبر "مركز خدمات المستثمرين".
كذلك وفّر القانون المعدّل أدوات تحكيم دولي، وسمح بحرية تحويل الأرباح والأجور، ومنح هيئة الاستثمار استقلالًا ماليًّا وإداريًّا بإشراف مباشر من الرئاسة. ورغم هذا التطور، يبقى التحدي في التطبيق، وسط بيروقراطية متجذّرة ونقص حاد في الثقة المؤسساتية، ما قد يعطّل ترجمة النصوص إلى واقع فعلي يُقنع المستثمرين.
جذب رؤوس الأموال
أكّد مستشار وزير الاقتصاد، مازن ديروان، أن التعديلات الأخيرة على قانون الاستثمار السوري تشكّل "نقلة نوعية في بيئة الأعمال"، مشيرًا إلى أن هذه الخطوات تهدف إلى جذب رؤوس الأموال وتعزيز التنمية الاقتصادية، من خلال تبسيط الإجراءات وتقديم محفزات واسعة النطاق للمستثمرين المحليين والأجانب. وأوضح ديروان في تصريح خاص لـ"العربي الجديد" أن القانون الجديد يقدّم ضمانات تحفظ حقوق المستثمرين وتحمي ملكيتهم من التعدي، بما في ذلك من الجهات الحكومية، لافتًا إلى أن إنشاء "مركز خدمات المستثمرين" سيؤدي إلى تقليص زمن منح التراخيص إلى ثلاثين يوم عمل حدّاً أقصى، مما يسهم في تيسير الانخراط في سوق العمل.
وكشف أن القانون أجاز تخصيص أراضٍ من أملاك الدولة لبعض المستثمرين، ومنح إعفاءات ضريبية وجمركية خاصة، تتضمن حوافز إضافية للمشروعات الزراعية وتلك القائمة في المناطق النائية. كما شدّد على أن تسهيل تحويل أموال العمال والخبراء غير السوريين من خلال المصارف المحلية يُعد خطوة داعمة لانسيابية الاستثمار. وبيّن ديروان أن نجاح هذه التعديلات في جذب المستثمرين يرتبط بشكل مباشر بمدى قدرة الحكومة على تنفيذ ما جاء في القانون، معتبراً أن القانون بحد ذاته لا يكفي، بل إن التطبيق الجاد هو ما سيصنع الفرق.
ونبّه إلى أن هذه التعديلات ليست مرتبطة بإزالة العقوبات الدولية، والتي تم رفع معظمها، بينما توقف العمل بالباقي منها. وأعرب عن أمله في أن تسهم هذه الإصلاحات في تجاوز التحديات الهيكلية، ولا سيما البيروقراطية والنقص في فاعلية النظام القضائي، الذي وصفه بأنه أحد العوائق الكبرى في الاستجابة لاحتياجات المستثمرين. وفي ما يخص الأداء الاقتصادي، شدّد ديروان على أن معدل النمو المتوقع والبالغ 1% لا يُعَد كافياً، معتبراً أن جذب المستثمرين يتطلب تقديم بيئة أعمال أكثر مرونة وتنافسية من الدول المجاورة. وقال: "إذا لم نكن الأفضل في تسهيل أداء الأعمال، فلن نستقطب رؤوس الأموال المطلوبة، وبالتالي لن يحدث التحول الاقتصادي المنشود."
الحوافز تبدو جذابة على الورق
من جانبه، علّق الباحث الاقتصادي يوسف العمران بالقول: "الحوافز تبدو جذابة على الورق، لكنها بحاجة إلى توجيه أذكى نحو القطاعات الحيوية كالطاقة المتجددة والصناعات الدوائية، لا أن تكون مبنية فقط على التوزيع الجغرافي". وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "النافذة الواحدة والإجراءات الملزمة زمنياً عناصر جيدة، لكن لا معنى لها إن لم تتوافر مؤسسات قادرة على التطبيق بروح القانون وليس بحرفيته فقط". ولفت العمران إلى أن التعديلات تمثل خطوة جادة نحو إعادة ضبط البيئة الاستثمارية، ومحاولة لتقديم صورة أكثر شفافية وانفتاحاً لرأس المال المحلي والأجنبي، خاصة في ضوء التراجع العميق الذي شهدته مؤشرات الثقة والتمويل على مدى سنوات الحرب والعقوبات.
رقابة مفقودة وتحديات عميقة
إلى جانب الحوافز، أُنشئ المجلس الأعلى للتنمية الاقتصادية، ومنحت هيئة الاستثمار السورية استقلالاً مالياً وإدارياً تحت إشراف مباشر من الرئاسة، ما عزز من مركزية القرار الاقتصادي. ويُعلّق الخبير الاقتصادي عامر شهدا قائلاً: "منح الرئاسة صلاحية التصرف بممتلكات القطاع العام من دون رقابة من الوزارات أو السلطة التشريعية يمثل توسعاً مقلقاً في السلطة التنفيذية". وتابع: "غياب الآليات الرقابية يفتح المجال لممارسات قد تكون غير شفافة، وربما غير قانونية، وهو ما يتعارض مع أسس الاستثمار الآمن".
وعلى الأرض، تبقى التحديات أكثر تعقيدًا من مجرد تعديل قانون. إذ يوضح شهدا أن "القانون خطوة ذكية شكلياً، لكنها بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية تتجاوز النصوص لتواجه العوائق البنيوية"، مشددًا على أن "الاستثمار لا يمكن أن يُفعّل في بيئة يعتريها الفساد الإداري، وتفتقر إلى قطاع مصرفي قوي، واستقرار في سعر الصرف".
فرص جديدة وواقع ضبابي
وبحسب بيانات هيئة الاستثمار السورية، والتي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، بلغ عدد إجازات الاستثمار الممنوحة 71 مشروعاً منذ بداية العام، مع طرح 56 فرصة جديدة عبر الخريطة الاستثمارية، بتكلفة تقديرية تجاوزت 2535 مليار ليرة سورية. وتتوقع الهيئة أن تؤمّن هذه المشاريع نحو 6450 فرصة عمل، ويتصدّر قطاع الصناعة بأكثر من 63 فرصة استثمارية، تليه قطاعات العقارات والطاقة المتجددة والصناعات الاستخراجية، بينما تسجّل قطاعات السياحة والخدمات والتكنولوجيا والاتصالات حضوراً متصاعداً رغم محدودية الدعم.
لكن التقديرات الدولية لا تشارك هذا التفاؤل، إذ يُتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة لا تتجاوز 1% في عام 2025، بعد انكماش بنسبة 1.5% في العام السابق. ويعزو البنك الدولي هذا الأداء إلى استمرار العقوبات، وتقييد الخدمات المالية الدولية، وغياب إصلاحات مصرفية فعالة.
في المقابل، صرّح وزير الاقتصاد محمد نضال الشعار قائلاً: "بدأت الاستثمارات والأموال تتدفق إلى سورية، ونتوقع بنهاية الصيف الحالي أن تكون مضاعفة لما نحصل عليه"، مؤكداً أن البيئة الاستثمارية باتت "شبه جاهزة" لاستقبال رؤوس الأموال المحلية والعربية والأجنبية، خصوصاً بعد تعديل قانون الاستثمار. ورغم هذا الخطاب الرسمي المتفائل، تبقى فجوة الثقة قائمة بين النصوص التشريعية والواقع الميداني. فبدون إصلاحات مؤسسية شاملة، وضمانات إجرائية فعلية، ستظل بيئة الاستثمار السورية تراوح مكانها بين الرغبة والاحتمال.
