
كشفت صحيفة بيرلنغسكا الدنماركية في طبعتها لنهاية الأسبوع، اليوم الأحد، عن شهادات صادمة أدلى بها جنود إسرائيليون سابقون بشأن الحرب على غزة واستهداف الفلسطينيين عموماً، تتحدث عن أوامر بالقتل العشوائي وتدمير ممنهج وروح انتقام تسود سلوك جيش الاحتلال الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين.
وبحسب الصحيفة، فإنّ هذه الشهادات تشير إلى أن الاحتلال يتبع استراتيجية تؤدي لمقتل أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين، في ظل غياب الاعتبارات الإنسانية، وأكد نائب مدير منظمة "كسر الصمت" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، إيتان روما، أن "معظم الناس يموتون لأنّنا لا نهتم". ومنذ تأسيس "كسر الصمت" في عام 2004 شهد أكثر من 1500 جندي من جيش الاحتلال على أفعالهم في الضفة الغربية وفي غزة.
أوامر بإطلاق النار على كل من يتحرك
ويقول إيتان روما، وهو جندي سابق خدم في الضفة الغربية واكتشف فيها معنى الاحتلال، إن الجنود لا يقتلون من تلقاء أنفسهم، بل ينفذون أوامر واضحة بإطلاق النار حتّى على من يلوّحون بالعلم الأبيض، وأضاف: "هذه ليست قرارات فردية بل تعليمات من القيادة العليا". وأوضح روما أن العديد من الجنود هم في سن 18 أو 19 عاماً، ويجهلون طبيعة ما يحدث فعلياً وكل ما يفكرون فيه هو البقاء على قيد الحياة هم ورفاقهم.
ومن أبرز ما كشفته الشهادات هو استخدام الاحتلال الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة ما يُعرف بـ"المناطق القاتلة"، وهي مناطق تُقصَف بكثافة من الجو والأرض قبل دخول القوات البرية. ورغم أنه يُطلب من السكان مغادرة هذه المناطق إلا أنها تتحول فعلياً إلى ساحات إعدام مفتوحة، إذ يُعطى الجنود أوامر بإطلاق النار على أي شخص يرونه، انطلاقاً من افتراض أن كل من بقي هو عنصر من حماس. لكن الواقع، كما يقول روما، مختلف تماماً فالكثيرون لا يغادرون، إمّا لأنهم مرضى أو مسنون أو لأنهم يخافون من التعرض للقصف أثناء الهروب، إذ إنه حتّى المناطق التي توصف بـ"الآمنة" تتعرض للقصف في كثير من الأحيان.
الاحتلال الإسرائيلي يستخدم المدنيين دروعاً بشرية
ومن بين الشهادات الأكثر إثارة للصدمة ما يُعرف بـ"بروتوكول البعوض"، وهو تكتيك يُجبر الجنود فيه المدنيين الفلسطينيين على التقدم أمامهم والبنادق في ظهورهم لفحص المباني والتضاريس، ما يجعلهم فعلياً دروعاً بشرية، وقال روما: "في البداية، اعتقدنا أن الأمر يتعلق بقائد واحد تجاوز صلاحياته، لكن تكرار الشهادات من وحدات مختلفة تبين أن الأمر ممارسة شائعة ومعروفة على نطاق واسع".
منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، قُتل أكثر من 58 ألف فلسطيني، وفقاً لمصادر طبية محلية، بينما سقط أكثر من 500 جندي إسرائيلي، ما يشير إلى شدة المعارك والكمائن، ويقول روما إنّ جيش الاحتلال لم يكن بحاجة إلى إيقاع هذا العدد الكبير من الضحايا، لأن بإمكانه تنفيذ عمليات دقيقة للغاية، كما فعل سابقاً عند استهداف مسؤولين إيرانيين خارج حدود البلاد دون خسائر مدنية، لكنه يضيف: "الجيش يختار ألّا يفعل ذلك في غزة ويعرف كيف ينفذ عمليات دقيقة. لكنه لا يريد ذلك" مشيراً إلى أن ذلك يتطلب مالاً وتخطيطاً.
المدنيون يدفعون الثمن: "العقاب الجماعي أصبح هدفاً"
ويروي روما أن قتل مدنيين بالمئات بات أمراً مألوفاً في محاولة استهداف فرد واحد من حماس، مثل سائق شاحنة يُشتبه في انتمائه للحركة. وفي حالات أخرى، تقبل القيادة العسكرية بخسائر مدنية قد تتجاوز 100 شخص من أجل اغتيال قيادي بارز في حماس. وتشير الصحيفة، ذات التوجه الليبرالي وتأييد يمين الوسط في كوبنهاغن، إلى أن إسرائيل تستهدف "المدارس والمستشفيات بذريعة أن حماس تختبئ فيها، بينما يمكن، كما يقول روما، التعامل معها بطرق أخرى إذا كانت هناك إرادة سياسية وأخلاقية لذلك".
ويرى روما أن ما يحرك الكثير من القرارات العسكرية والسياسية الإسرائيلية هو "الرغبة في الانتقام لما جرى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، الذي أسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي"، ويضيف روما: "الأمر لا يتعلق بحماس فحسب، بل بمعاقبة السكان الفلسطينيين ككل"، وأشار إلى أن بعض الوزراء اليمينيين يدفعون باتجاه إعادة احتلال غزة وبناء مستوطنات فيها، بينما تسعى إسرائيل لتركيز السكان في الجنوب في ما يُسمى "مدينة إنسانية"، ما يثير مخاوف من تطهير عرقي.
الغذاء سلاحاً والتدميرُ ممنهج
وأكدت الصحيفة أن التقارير تشير إلى أن إسرائيل أصبحت تركز مساعدات الإغاثة في الجزء الجنوبي من غزة، في ظل اتهامات باستخدام الجوع سلاحاً. وتولت منظمة أميركية خاصة، يُعتقد أن لإسرائيل صلة بها، توزيع الإغاثة بدلاً من الأمم المتحدة ما أثار انتقادات واسعة، وأضافت: "تقول الأمم المتحدة إن 875 فلسطينياً قُتلوا خلال الأسابيع الستة الماضية أثناء محاولتهم الوصول إلى أماكن توزيع المساعدات"، وختمت بيرلنغسكا نقلاً عن إيتان روما: "لقد أصبح التدمير والقتل هدفاً بحد ذاته. لم يعد مجرد وسيلة لتحقيق هدف عسكري".

أخبار ذات صلة.

