ليبيا: جولة جديدة من صراع الصلاحيات بين مجلسي النواب والرئاسي
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

في خطوة تصعيدية جديدة يستعد المجلس الرئاسي في ليبيا لتفعيل "المفوضية العليا للاستفتاء الوطني"، ويعتزم من خلالها فرض سلسلة مراسيم جدلية، كان أصدرها مطلع مايو/أيار الماضي، في الوقت الذي استبق فيه مجلس النواب الليبي الخطوة بتجديد نفيه امتلاك المجلس الرئاسي صلاحيات دستورية لإصدار المراسم الرئاسية.

ووفقاً لمعلومات أدلت بها مصادر ليبية مقربة من المجلس الرئاسي لـ"العربي الجديد" فإن المجلس يعتزم، بالتنسيق مع حكومة الوحدة الوطنية، بدء أعمال المفوضية من خلال تدشين منظومة إلكترونية للاستفتاء تسهل على المواطنين في ليبيا تسجيل آرائهم من خلالها، بشأن عدد من القوانين والتشريعات خاصة المتعلقة بالانتخاب. مشيرة الى أن أعمال المنظومة سيشرف عليها مجلس إدارة المفوضية بالتنسيق مع وزارة الدولة لشؤون الاتصالات بحكومة الوحدة الوطنية. وعلى الرغم من عدم إعلان المجلس الرئاسي عن خطوته رسمياً حتى الآن، نشر رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، تصريحات جديدة نفى فيها امتلاك المجلس الرئاسي صلاحيات دستورية لإصدار مراسيم رئاسية بقوة القانون، ما يؤشر إلى خطوة استباقية لخطوة المجلس الرئاسي تعيد التصعيد بينهما والجدل بشأن مراسيمه.

وقال عقيلة في تصريحات خص بها مكتبه الإعلامي، أمس السبت، إن "الأصل" في القوانين أن "تصدر من السلطة التشريعية لكن يمكن أن تصدر مراسيم بقوانين وفق شروط محددة"، مشيراً إلى أن هذه الشروط تشمل منح الدستور الرئيس صلاحية إصدار مراسيم بقوانين، بشرط أن يكون المجلس التشريعي غير موجود، مع الضرورة القصوى للمراسيم التي يجب أن تصدر بإجماع كامل أعضاء المجلس الرئاسي. وفيما أوضح صالح أن مراسيم المجلس الرئاسي لم تصدر بإجماع أعضائه، في إشارة إلى أنها مراسيم صدرت عن رئيسه محمد المنفي بشكل منفرد، أضاف: "وعلى فرض أن المجلس الرئاسي يملك إصدار المراسيم بقوانين - وهو لا يملك ذلك - فإن مجلس النواب يلغيها وتعتبر ملغاة لأنها منعدمة، لأن مجلس النواب موجود ولا توجد ضرورة للمراسيم، ولم يمنح الإعلان الدستوري أحداً حق إصدار مراسيم بقوانين". وخلص عقيلة إلى وصف مراسيم المجلس الرئاسي السابقة بأنها "منعدمة ولا أثر لها"، معتبراً أنها مراسيم "ترقى إلى تعطيل عمل المؤسسات الشرعية" وتمثل "تغولاً على عمل السلطة التشريعية".

ويتعلق المرسوم المزمع تفعيله من جانب المجلس الرئاسي باستحداث "المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني"، وهو أحد ثلاثة مراسيم رئاسية أصدرها المجلس الرئاسي، مطلع مايو الماضي، ضمن ما أسماه حينها "خطة الإنقاذ الوطني"، وتتضمن أيضاً إنشاء "المؤتمر العام للمصالحة الوطنية" وإلغاء قانون أصدره مجلس النواب بشأن إنشاء محكمة دستورية. وكان المجلس الرئاسي أصدر قراراً بإنشاء مفوضية الاستفتاء في أغسطس/آب الماضي، قبل أن يحوله إلى مرسوم. ووفقاً لقرار إنشائها تتشكل المفوضية من رئيس و11 عضواً آخرين بصلاحيات واسعة، أهمها "طرح القرارات ذات الطبيعة الدستورية والسياسية والقانونية التي تصدرها الأجسام السياسية القائمة في البلاد على الشعب للاستفتاء عليها".

ويكمن اعتراض مجلس النواب على تفعيل المفوضية كونها تنتزع بعض صلاحياته، ومنها الانفراد بإصدار القرارات من دون أي رقيب، وقد يصوت الشعب ضد قراراته وقوانينه إذا ما عُرضت للاستفتاء ما يعرضه إلى انتزاع أهم أسانيد شرعيته، التي يشدد عليها، وهو أنه منتخب من الشعب، رغم انتهاء ولايته الدستورية الفعلية عام 2015 وبقائه بالتمديد بموجب اتفاق الصخيرات منذ ذلك الوقت. ومن جانبه يسعى المجلس الرئاسي، من خلال المفوضية، إلى توظيف الإرادة الشعبية الرافضة للوضع الحالي ليموضع نفسه طرفاً محايداً فوق الصراع السياسي.

ولم تحظَ مراسيم المجلس الرئاسي، المكون من رئيس ونائبين، بإجماع كامل أعضائه، إذ صدرت بتوقيع رئيس المجلس محمد المنفي فقط، وأعلن نائب الرئيس عبد الله اللافي عند صدورها أنها "لا تمثل المجلس الرئاسي مجتمعاً، ولا يترتب عليها أثر دستوري أو قانوني، وهي والعدم سواء"، إلا أن المنفي أعلن في الوقت ذاته إحالته المراسيم الثلاثة إلى حكومة الوحدة الوطنية "بغرض تعميمها على جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية"، في إشارة واضحة إلى عزمه المضي قدماً في تنفيذها.

وسبق أن نجح المجلس الرئاسي في فرض قرار سابق يتعلق بإقالة محافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، في أغسطس/آب الماضي، رغم معارضة مجلس النواب حينها، حيث إن إصرار المجلس الرئاسي على تنفيذ قراره أجبر مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على الدخول في حوار مضنٍ، انتهى بتعيين مجلس إدارة جديد للمصرف المركزي ومحافظ جديد. ورغم خضوع مجلس النواب لقرار إقالة محافظ المصرف السابق، لكنه أصدر قراراً بالتوازي، في أغسطس، أعلن فيه انتهاء ولاية المجلس الرئاسي، مستنداً إلى انتهاء الآجال الزمنية التي حددها ملتقى الحوار السياسي في جنيف، الذي تشكل بموجبه المجلس الرئاسي عام 2021، لكن المجلس الرئاسي مضى في ممارسة أعماله.

وتشكل خطوة المجلس الرئاسي والحكومة تفعيل مرسوم المفوضية في هذا التوقيت، فصلاً جديداً في سلسلة التصعيد المستمرة بين المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية من جهة ومجلس النواب، المدعوم من قبل اللواء المتقاعد خليفة حفتر، من جهة أخرى. ويأتي ذلك بالتزامن مع حراك حثيث تجريه البعثة الأممية بمشاورات كثيفة مع شرائح مجتمعية ومدنية متنوعة لمناقشة أربعة خيارات سياسية طرحتها اللجنة الاستشارية الليبي، خريطةَ طريقٍ جديدة لحل الأزمة السياسية القائمة في ليبيا والتي تعتزم رئيسة البعثة، هانا تيتيه، طرح نتائج هذه المشاورات أمام مجلس الأمن خلال إحاطتها المقررة في أغسطس المقبل، على أمل الوصول إلى توافق دولي حول مسار سياسي ليبي قابل للتنفيذ وينتهي الى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة منذ سنوات.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية