توم كروز بعد الستين
عربي
منذ 7 ساعات
مشاركة

تتميّز أدوار الممثل الأميركي (ذي الشعبية الواسعة) توم كروز، بخفّة الجسد، أو بالحفاظ على الحدود العليا للقفز بهذا الجسد البشري للولوج إلى الخوارق، وهو، في جميع ما يمكن مشاهدته من أفلام له، مُطالَب بأن يكون جسده شاباً، حتى حين تجاوز عمر الستّين، أو هذا ما اجتهدت فيه المؤثّرات والتقنيات لكي يظهر عليه في آخر أفلامه "الحساب النهائي"، وهو واحد من سلسلة "مهمّة مستحيلة"، التي بدأها كروز منذ أكثر من 30 عاماً. يمكن الحديث هنا أيضاً أن التحوّل نحو أدوار الاستعراض العضلي والخفّة والغموض جاء بعد دوره في فيلم "رجل المطر"، الذي أُنتج في أواخر الثمانينيّات، برفقة الممثل داستن هوفمان، الذي حاز فيه جائزة أفضل ممثل عن دوره في تشخيص نفسية كهلٍ مصاب بالتوحّد، إذ أدّى كروز دور شاب مرفّه ابن ثري، اكتشف بعد موت والده أن لديه أخاً مريضاً مودعاً في مركز خاص لذوي الهمم، وعليه أن يعتني به، ولكنّه يفشل في تحمّل هذه المهمّة الإنسانية بعد مواقف عديدة في الفيلم المثير، فيُرجع في النهاية أخاه إلى مأواه الصحّي. ولا تتأتى إثارة "رجل المطر" من المشاهد العضلية الخارقة التي سارت عليها لاحقاً أفلام توم كروز، إنّما من تمازج المواقف الحياتية بالبعد الإنساني. تحوّل هذا الشاب الكسول الاتكالي في هذا الفيلم إلى ما يشبه متسلّق الجبال والمنزلقات في الأدوار اللاحقة.
يدور الجزء الثامن من سلسلة "مهمّة مستحيلة"، من إخراج كريستوفر ماكويري، حول عالم الذكاء الاصطناعي، ولكن هذه المرّة في المنطقة الأكثرخطورة، أي منطقة الفناء البشري، حين يتطوّر الذكاء في غفلة من البشر وصراعاته، ويتمكّن من أن يستحوذ على جميع أزرار الأسلحة النووية في الدول التسع التي تمتلكها. ولأن أفلام توم كروز لا يمكن أن تخلو من دعاية عسكرية أميركية، فقد تكفّلت الحكومة الأميركية في هزيمة الذكاء الاصطناعي في هذا الجانب، وكلّفت الشاب "إيثان هانت"، الذي يتمتّع بقدرات عضلية وعقلية خاصّة، حولت توم كروز الستّيني (1962) إلى صاحب قدرات شابّة فتية، استطاع، نظراً إلى طبيعة المهمّة الصعبة المنوطة به، أن يغوض في أعماق المحيطات ويخوض في الكتل الثلجية ويقاتل هنا وهناك... وفي عديد من لقطات الفيلم، نرى أن المخرج تعمّد أن يظهر كروز شابّاً قويّاً، من طريق تعريض عضلات جسده لما يشبه الفحص المجهري من كاميرا التصوير، إذ كثيراً ما ظهر في لقطات الفيلم حتى بلا قميص داخلي، وكأنّ ضمن رسالة هذا الجزء من الفيلم، المبني على الغموض، أن يقول لنا ضمناً إن كروز ما زال في كامل حيويته وشبابه، ويستطيع من ثم أن يمثّل حتى تلك الأفلام التي تُخصَّص عادة لممثّلين شبابٍ (بين عقدَي العشرين والثلاثين). تدخّلات تقنية كثيرة، ولكن بدت مكشوفةً تركّز في هذا الجانب الزمني في جسد الممثل الأعلى أجراً في العالم (25 مليون دولار دفعة مقدّمة لبطولة أيّ فيلم).
هذا الجزء من سلسلة "مهمّة مستحيلة" كلّف إنتاجه 400 مليون دولار، ولكنّه حقّق أرباحاً مهولة. ففي أوّل أسبوعين جنى 200 مليون دولار. وفي مسقط، حيث شاهدتُ الفيلم، كانت القاعة مليئةً رغم مرور وقت غير قصير على عرضه في مختلف قاعات العرض التجارية، التي عادة ما تكون في المجمّعات التجارية الكُبرى بالعاصمة.
بدت الشحنات الميلودرامية لهذا الجزء واضحةً، إلى جانب الشحنات النفسية، إذ كان سادة السلاح النووي في العالم يتصارعون فيما بينهم (خاصّة أميركا وروسيا كما في الفيلم) للاستحواذ على قيادة العالم نووياً. وفي الخفاء، كان ما سمّي في الفيلم بـ"الكيان"، ويقصد به الذكاء الاصطناعي، يسعى هو الآخر إلى امتلاك زمام أزرار الفناء البشري، إذ تطوّر الذكاء بصورة مهولة ليستحوذ على المقدرات النووية في العالم. والتدخّل الأميركي، الذي يتخيّله الفيلم بصورة دعائية واضحة، هو من سيحسم الأمر، وذلك حين يتمكّن "إيثان" من تتبع آثار غواصة روسية نووية غارقة في القطب المتجمد ليدخل إليها في أعماق البحار، ويجلب من هناك ما يشبه المفتاح السحري، الذي بموجبه يمكن للحكومة الأميركية أن تهزم الذكاء الاصطناعي، وتتحكّم في مصير العالم.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية